د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
ما يحدث في سوريا والعراق مرعب لحد الإدهاش. وعلى الرغم من أنه أعاد الإنسانية قروناً للوراء، إلا أنه لم يكن وليد الصدفة، ولا نتيجة فقط لتداعيات الأحداث في المنطقة، بل هو عمل محكم التخطيط والتنفيذ، تلاقت فيه مصالح أطراف متعددة التقت حول تدمير المكون السني في المنطقة. وبدأ المخطط من اليوم الأول لإسقاط الشاة بدعم من الغرب لانتهاجه سياسات اقتصادية وعسكرية مستقلة عن الغرب، وسعيه لاستعادة إمبراطورية «قوروش» التي هزمت الرومان. وتحول هذا اليوم لليوم الأول لتصدير ثورة إيرانية متخلفة وإقامة إمبراطورية شيعية في دول الجوار.
العراق، عراق صدام، الأقرب جغرافيًا لإيران، أدرك نوايا إيران مبكراً، فبه نسبة كبيرة من الشيعة نظروا للخميني كولي فقيه، وكان الكلام عن تصدير الثورة الشيعية له واضحاً وصريحاً. ونجح العراق في تحييد إيران مؤقتاً لولا تداعيات الحرب بينه وبين الكويت فيما بعد، واحتلاله لها. احتلال الكويت كان بمثابة الهدية الإلهية التي طالما انتظرتها أطراف عدة: إيران حيث فكك الاحتلال لحمة جيرانها المباشرين؛ ودول عظمى كانت تعد العدة لضرب العراق بصرف النظر لأنه أصبح يشكل خطراً عسكرياً محتملاً على إسرائيل، وتجاوز القدرات العلمية، والفنية، والعسكرية المسموح بها لدول المنطقة، وبه نفط خام غير مستغل سال له لعابها.
استغلت إيران هروب علماء سوفييت من الدول الإسلامية في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وهروب علماء عراقيون شيعة بعيد حرب الخليج الأولى، وكذلك تصدير العراق لأسلحته المتطورة لها ظناً منه أنه يمكن استرجاعها فيما بعد. وبينما انشغل جيرانها في عقد من الزمن بالعراق، كانت تبني بسرية تامة ترسانتها العسكرية، وغطت ذلك بنوع من الانفتاح السياسي على جيرانها الخليجين بينما هي تحاصرهم بالعملاء فعليا، أحزاب الله، حزب الدعوة، العلويون في سوريا الخ.
أخطر ما في الأمر هو تحالف القوى الشيعية في العراق ذات الولاء التام لإيران، ومنهم نسبة كبيرة من قادة المعارضة، الجلبي، المالكي وغيرهم مع المحتل لأمريكي، وتركوا المقاومة للسنة العراقيين الذين واجهوه من منطلق وطني بشراسة غير مسبوقة. وكان هاجس إدارة بوش هو عدم تكرار سيناريو فيتنام بتزايد أعداد الضحايا من الجنود. وكانت إيران تدعم المقاومة السنية لهدفين: إنهاء التواجد الأمريكي على الأرض ودفع الأمريكيين للاعتماد على حلفائها هي في العراق، وإضعاف المكون السني عسكرياً لأبعد حد. ومن هنا سهل المالكي لداعش الحصول على ترسانة ضخمة من الأسلحة. ونتج عن ذلك تحالف شيعي- أمريكي غير معلن في العراق على حساب الدول السنية المجاورة له التي تلاشى نفوذها، وبدأت فعلاً مخططات التوسع الإيراني الفعلي في المنطقة بسكوت أمريكي أقرب للرضى، لنا السماء والثروات ولكم الأرض. وضمنت إيران عبر عملائها المصالح الأمريكية في العراق، وضمنت أمريكا لمكون الشيعي التفوق العسكري وأعدت العدة لرفع الحظر عن إيران.
واتبعت أمريكا مع حلفائها التقليديين في المنطقة، دول الخليج، سياسة الغموض البناء، واكتفت بإنشاء قاعدة العيديد الضخمة في المنطقة، كقاعدة لوجستية.
تدخلت إيران بعد ذلك بكامل ثقلها في سوريا، ولكنها وحلفاءها تلقوا ضربات موجعة من الأكثرية السنية التي تدعمها دول الخليج وبعض الدول السنية الأخرى لإدراكهم خطورة المخطط الإيراني، وتصرف الأكراد السنة للأسف بمنتهى الانتهازية بدعم غير محدود من الغرب. وتم تحريك الحوثي في اليمن لإشغال دول الخليج وخاصة السعودية عن التدخل في سوريا، وتلا ذلك بيع حكومة الأقلية العلوية في سوريا، بمباركة إيرانية، بلادها لروسيا بشكل كامل، للجم أي تدخل تركي محتمل، مكررين في ذلك السيناريو الأمريكي في العراق، السماء والثروات للروس، مقابل القضاء على المكون السني على الأرض، فإيران بمباركة النظام تمنح ما لا تملك لغير مستحق، ثروات الأرض السورية لروسيا. أما بالنسبة لأوباما، فالوضع إستراتيجياً في صالحه، أعدائه، روسيا والحركات السنية الإسلامية يطحنون بعضهم في سوريا، ولذا يمكن تحمل بعض النقد الدولي الإنساني.
المؤسف هو وضع الدول العربية، كمصر والجزائر، وحتى عمان التي مالت أحياناً لإيران دون معرفة أنها هي الساحات المقبلة للتوسع الإيراني بمجرد أن تفرغ من سوريا، فإيران وبلا أدنى شك، تستعد للتدخل في الخليج: الكويت والبحرين، وربما عمان ذاتها عبر عملاء لها. فالخطر الإيراني اليوم تجاوز الخطر الصهيوني، وهي لن تتوقف إلا بتفكيك نظام الملالي بشكل كامل، ولا يمكن تكرار الأخطاء مجدداً فموضوع الدفاع عن المنطقة لا يمكن أن يترك لحليف خارجي، وليس ممكناً إلا من خلال شعوبها.