رقية سليمان الهويريني
لو دخلت حديقة واسعة كلها أزهار وورود من لون واحد لما استمتعت بالمنظر مثلما لو كانت تحوي أزهاراً من ألوان شتى، وروائح متنوعة حيث ستتحول إلى ألوان بديعة ومنظر يبهج النفس ويسر الناظر! وكذلك سر جمال الطاووس وبهائه حين يفرد ريش ذيله بألوان تخطف اللب!
وهكذا المجتمع؛ لو أنه ذو لون واحد بفكره وشكله وطباعه واهتماماته وأطيافه؛ لكان مملاً ولصددنا عن التعارف والمشاركة وتعويض نقصنا أو إشباع ما يفتقده الآخرون! ويوحي الاختلاف بالتكامل والتناغم والجمال، كما ورد في القرآن الكريم بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} (فاطر).
وما يؤسف له أنه بدلاً من ترسيخ فكرة جمالية الاختلاف في القول والفعل وحتى الخلق والشكل صرنا نحارب المختلف ليكون نسخة مكررة باهتة منا! برغم أن الاختلاف هو مجرد تفاوت رأي في شؤون عامة وليست العقيدة الثابتة. مع ضرورة التفريق بين مصطلحي الاختلاف والخلاف، فالأول بهي جميل يعني المغايرة في الطرح والتباين في الرأي والتكامل والانسجام، بينما الثاني دميم قبيح يعني التشويه والتسفيه والعداوة والتنافر والقطيعة، ونهايته الشقاق والخصام وقد يصل للتكفير والتصفية والقتل، وفي الوقت الذي تستخدم في الاختلاف أدوات الحوار والمناقشة يستعمل المخالفون أدوات الدفاع والهجوم!
ويعد الاختلاف مصدراً من مصادر الثراء الفكري، وأحد وسائل الوصول إلى القرار السليم، ومنه يلجأ المرء للشورى ولا ينفرد برأيه الواحد. ونتائج الاختلاف عادة تبقي طرفي الرأي على تواصل وتقدير فيما بينهما ما لم يدخل بينهما الحسد والهوى.
لذلك لا ينبغي الحرص على انتقاء الأصدقاء ممن يهزون رؤوسهم موافقة لك ولرأيك كيلا يخسروك أو لا يفتقدوك، بل من الجميل أن يبرز الصديق والمحاور رأيه مهما كان مخالفاً مما يثير شهية الحديث وبهجة الحوار، وحبور الاجتماع.
ومن يملك أداة الاختلاف فهو ذو إرادة مستقلة، وهذه الإرادة هي ثمن الحرية وجمال الإنسانية وبهاء البشرية، الذي أراده الله، ولأجله خلقهم؛ ليعبدوه تعالى واحداً بطرق مختلفة، وبعقيدة واحدة وأساليب متعددة!!