د. جاسر الحربش
القصائد والخطب لن تنقذ حلب، ولم تنقذ الفلوجة وحمص وحماة من قبل.. أكثر نداءات الاستغاثة واستجداءات النجدة من أهل حلب على الوسائط الإلكترونية أصبحت موجهة إلى الضمير العالمي. الأمل في الضمير العربي والإسلامي سقط، لأن ما يسمى بالشعوب العربية والإسلامية بمكوناتها السياسية والدينية والثقافية سقطت من حسابات القوة منذ زمن طويل.. ما كان مستوراً بالصراخ والخطب النارية والجعجعات الإعلامية كشفته القوة النارية للعلم، والجهل لا يصمد أمام العلم. الطائرة التي توجه صاروخًا مبرمجًا من السماء لا يستطيع ردها انتحاري يطلق صيحة الله أكبر، لأن الله يأمر بإعداد القوة وليس بقتل النفس أو الإكتفاء بدعاء القنوت.
في سوريا لم تستطع كتائب ملالي إيران وشبيحة الأسد وميليشيات حزب الله تحقيق الانتصار ضد الفصائل التي تحاربهم بنفس العقلية، أي عقلية الجهل مقابل الجهل ومناطحة الخرافة بالخرافة لتحقيق النصر الإلهي.. الذي حسم المعركة كان العلم المختزن في طائرات وصواريخ وقنابل الروس وأقمارهم التي تمسح السماء والأرض وترسل الإحداثيات.
بعض العرب المحسوبين على ثقافة العولمة يكرر كثيراً هذا السؤال: هل نحن العرب بالذات محكومون بفكرة القائد البطل المنقذ، بخلاف الشعوب التي تحتكم إلى الكوادر العلمية والمختبرات وتدوير المسؤوليات؟. في مثل ظروف الهزائم الساحقة التي يمر بها العرب، أعتقد أن أفضل إجابة هي نعم، لكنها نعم مشروطة.. الشرط هو أن يكون البطل المنقذ الجديد من صنف ميجي اليابان وبطرس روسيا الأكبر وفريدريك ألمانيا العظيم، وليس من جنس السياسيين البيروقراطيين أو دعاة الجهاد والموت بالمجان الذين هم في بيوتهم قاعدون. الوضع الميداني في حلب ومن قبلها حمص وحماة ودرعا يبدو سيريالياً ويشبه حرب سكان كوكب الأفاتار ضد الغزاة الأمريكيين في الفيلم المشهور.
اليابانيون أدركوا قبل مائة وسبعين سنة استحالة الانتصار بالسيف البتار وشجاعة الساموراي على البرتغاليين القادمين إليهم بالمدافع والبنادق والمسدسات.. شاهدت قبل عشرات السنين فيلماً يابانياً يعبر برمزية شديدة العمق عن تلك الإشكالية التاريخية التي واجهتها اليابان في النصف الأول من القرن التاسع عشر. اثنان من زعماء العصابات اليابانية في إحدى المدن الساحلية يتصارعان على الغنائم والمسروقات بالأسلحة التقليدية. أحدهما ينسج علاقة سرية مع قائد سفينة برتغالية راسية على بعد أميال قليلة من المدينة، ويحصل منه على مسدس وبعض البارود، فيستطيع ببساطة متناهية إصابة قائد العصابة المنافسة وشل ذراعه التي كان من قبل يستطيع بها اصطياد ذبابة على الحائط برمية سكين. في نهاية الفيلم يرمي المصاب سكينه في البحر وينسج علاقة سرية بدوره مع البرتغاليين ليحصل أيضاً على مسدس وبارود، ولكن ليس ليقتل غريمه وإنما ليتفحص ويفكك مكونات المسدس ويدرس مادة البارود ثم يساهم في تسليح المدينة ضد البرتغاليين بمسدسات يصنعها الحدادون اليابانيون في مدينتهم.
الخلاصة: الجهل لا يمكن أن يكسب ضد العلم مهما بلغت شجاعة الجاهل واستعداده للتضحية.