عبد الله باخشوين
((النمر)) من الرموز أو العلامات البارزة في كثير من لوحات الفنان العالمي الشهير سلفادور دالي. وقد نقله كثير من الفنانين إلى لوحاتهم، منهم الفنان السعودي الصديق خليل حسن خليل، وذلك في لوحة تصوِّر ((قطًّا)) يكشر عن أنيابه، ويهم بالانقضاض ((مثله في أعمال دالي))، لكن على ((شكة)) تقليدية، فيها مجموعة من ((الأسماك)) الطازجة. وأكمل ((اللوحة)) بمستلزمات أكل السمك، مثل الخبز و((البصل)).
غير أن هذا ((النقل)) والاقتباس لم يكن ليمر دون أن تلحظه ((العيون)) الخبيرة للفنان الذكي.. فذات مرة دعا الفنان خليل لإقامة معرض لأعماله في فندق الإنتركونتيننتال في منطقة ((السودا)) بأبها، افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين أمير منطقة مكة المكرمة. وفي جولته التقليدية على الأعمال التي عُرضت توقف أمام تلك اللوحة، وتساءل غامزًا:
- «هذا قط.. ولا نمر»؟
وضحك الفنان.. دون أن يفطن إلى تلك الإشارة لعملية النقل.
والحق، إن خليل حسن خليل منذ بداية رحلته الفنية كان شديد التأثر بأسلوب وتقنية الفنان السريالي الشهير رينيه ماغرت، إضافة لتأثره بأعمال دالي، وكان يقوم بتصميم لوحاته على طريقة ((الكولاج)) في محاولة للتغلب على ذلك التأثير، وكان يدمج بين ما يأخذه من الاثنين، ويضعه في لوحة واحدة، تجسد الفكرة ((السريالية)) التي يريد أن يصوِّرها مع محاولة طمس التأثير أو الأثر. وقد جمع كل أعماله في كتاب، أصدره نادي جازان الأدبي بعنوان ((أحلامي)).
هذا الكتاب قمتُ بالكتابة عن الأعمال التي ضمته في حلقات عدة، نُشرت في مجلة ((اليمامة))، دون أن أشير إلى هذه ((الازدواجية)) في الاقتباس؛ لأن تركيزي كان ينصبُّ على محاولة تحليل الفكرة ((الخاصة)) التي أراد الفنان طرحها في لوحته معتبرًا ذلك ((المزج)) نوعًا من الكولاج، وواضعًا نصب عيني ((المنطقة)) التي يعيش فيها الفنان (جيزان) معتبرًا أن كل المشاهد التي تختزنها ((الذاكرة البصرية)) للفنان تخلو من الأبعاد ((الرمزية)) التي يريد تجسيدها بوعيه وثقافته؛ لأنه من الفنانين المثقفين القلائل.
وبالمناسبة.. فقد كنت أرافقه في معرض أبها، وطلب المنظمون الحديث عن أعماله؛ فتحدثت باختصار.. خاصة أن الفنان كان قد انتقل إلى مرحلة فنية جديدة، تحتفي بالكثير من التفاصيل ذات الرؤية الخاصة، ومن أهمها تفاصيل الجسد الإنساني.. وكثير من رموز ((المكان))؛ إذ أصبح شديد الاقتراب من نفسه. وكل هذه الأعمال الجديدة حملها ((بروشور)) المعرض، كأنما ليميزها عن بقية الأعمال. وغني عن الذكر القول إن خليل حسن خليل هو الفنان الذي رسم غلاف مجموعتي القصصية الأولى ((الحفلة))، ورسم غلاف المجموعة الثانية ((النغرى))، وكان بودي أن يكلفه النادي الأدبي برسم غلاف ((لا شأن لي بي))، لكنه فضّل عدم التواصل معه لأسباب أجهلها.
وحكاية خليل مع الكولاج تشبه إلى حد كبير القول بتأثري الشديد بالكاتب الألماني الشهير كافكا في كتابه معظم قصص ((الحفلة)). وكانت هذه ((الإحالة)) نوعًا من الاستسهال ((النقدي))؛ لأن الأثر الكبير على كل بداياتي هو للشاعر الكبير والشهير ((ادغار ألن بو)) الأب الروحي لكل الأدب الرمزي منذ عام ألف وثمانمائة ونيف، الذي يعرفه القاصي والداني من خلال قصيدته الشهير ((الغراب)).