من بلاد العالم جاءت، وعلى جناحي لهفة ورغبة تهادت، يحملها جناحا شوقٍ إلى بلد اصطفاها الله لتكون مهبطَ وحيه وموطنَ رسالتِه الخالدةِ خلودَ الدهر. ولكنها ظلت مسكونةً بهاجسِ الغربةِ في بيئةٍ جديدة ومجتمعٍ مختلف؛ تستشرفُ يدًا تمتدُّ لتتلقاها فتغمرَها دفأً يعيد السكينة إلى قلبها الملهوف! لم تكن يدًا واحدةً بل أيادٍ شتى، اكتنفت وحشتَها وبددت توجسَها وأومأت إليها أن قَرّي عينًا فقد انتقلت من أهلٍ إلى أهل ومن وطنٍ إلى وطن.
تحظى طالبة المنح عند التحاقها بمعهد تعليم اللغة العربية بعناية خاصة ترعى خطواتها الأولى على أرض هذا الوطن السخي الذي لم يفتأ يمنح كل من أوى إليه أمنًا ويغدق على كل من عول عليه فضلاً وبذلاً وعطاءً دافقًا لا يتناهى.
ويسعى المعهد إلى إعداد الطالبة علمياً بحيث تتقن اللغة العربية، ولكنه لا يغفل الجوانب الأخرى التي تعزز الخبرة اللغوية وتدعمها لتشكل مرحلة دراستها في المعهد -ومن ثم الجامعة- تجربة فريدة متكاملة تمتزج فيها كل المعطيات التي يكون نتاجها مخرجاً تعليمياً بالمواصفات المحددة سلفًا.
وفي هذا السياق يقدم المعهد مجموعة من البرامج الحوارية والتفاعلية التي تسهم في دمج الطالبة بالمجتمع الجامعي واكتساب الخبرة اللغوية، إضافة إلى الخبرة الثقافية والحضارية والاجتماعية، مما يحقق بالغ الأثر في ترسيخ اللغة مرتبطة بالقيم الإنسانية المادية والمعنوية.
البرامج الحوارية التي يقدمها المعهد بنيت على دراسات متنوعة وشراكات مع مؤسسات متخصصة في مجال الحوار وتجارب عالمية في معاهد مناظرة أثبتت جدواها في دعم اكتساب اللغة وتطوير الشخصية، وأبرز هذه البرامج:
أولاً : برنامج التبادل اللغوي: وهو برنامج يقوم على تعلم اللغة باتخاذ شريك، ويتم التعلم بالتبادل بين شريكين؛ طالبة من المعهد (وتعلم لغتها) والأخرى من طالبات الجامعة السعوديات (وتعلم اللغة العربية)، وإلى جوار اللغة؛ تكتسب الطالبة بعضًا من مظاهر الثقافة والحضارة فيتحقق التبادل على المستويين المعرفي والثقافي.
ثانيًا: برنامج الدعم بالأقران: وهو برنامج يبنى على توظيف الأقران في بناء قدرات ومهارات طالبات المعهد، ويتحقق الدعم الأكاديمي من خلال إشراك الطالبات السعوديات في تعليم طالبات المنح تحت إشراف أستاذة المقرر، كما يتحقق الدعم النفسي من خلال طرح الطالبات تجاربهن تحت إشراف المرشدة الأكاديمية.
ثالثًا: برنامج سفيرة حوار الحضارات: وهو برنامج يعتمد على عقد لقاءات حوارية بين طالبات المعهد مع نظيراتهن السعوديات من طالبات الجامعة، وتتناول اللقاءات عددًا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك يدور حولها النقاش بين الطالبات تحت إشراف أعضاء الهيئة التعليمية المدربات على تنفيذ هذا البرنامج من قبل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.
وقد مرت هذه البرامج بمراحل تجريبية لاختبار كفاءتها ومدى جدواها، ومن ثم طبقت على الطالبات وكانت نتائجها مثمرة ومشجعة على الاستمرار.
وتأتي هذه الاحتفالية لتدشين هذه البرامج رسمياً واستعراض بعض نتاجها من طالبات التحقن بها من داخل المعهد وخارجه، وكان لذلك بالغ الأثر في تقوية الجانب العلمي والفكري والشخصي لديهن، ونظمت الاحتفالية بعنوان (شاركيني) حيث تحضر المشاركة بجميع جوانبها اللغوية والنفسية والفكرية أساسًا تقوم عليه هذه البرامج.
ولتدعيم المحور الأساسي للحفل وهو البرامج الحوارية؛ نظم المعهد فعاليات وأركانًا مصاحبة هي:
1 - ركن البرامج: ويهدف إلى التعريف بالبرامج الحوارية الثلاثة عن طريق مطويات تعريفية بكل برنامج، وتشرف على كل ركن الأستاذة المسؤولة عن البرنامج في المعهد للتعريف به والرد على استفسارات الطالبات وتسجيلهن.
2 - ركن المطبخ العالمي (تذوق العالم): وتعد المأكولات من أبرز تجليات الجانب الحضاري للمجتمعات، حيث ترتبط التقاليد الغذائية للشعوب بثقافتها وبيئتها. وتشكل تجربة تذوق الأطباق من المطابخ العالمية المختلفة تجربة ممتعة وجاذبة يقبل عليها الناس من الأجناس كافة، ويؤدي التفاعل في مثل هذه المواقف إلى اكتساب اللغة وتنميتها، وهو الهدف الأساسي من هذا الركن، إضافة إلى بث أجواء المتعة والجذب للطالبات.
3 - المكتبة المتنقلة: وهي فعالية تابعة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة تمثل دور المكتبة في تثقيف المجتمع بإيجاد عربة متنقلة مجهزة بالكتب والأدوات اللازمة للقراءة، وقد شرف المعهد باستضافتها يوم الفعالية بالإضافة إلى اليومين التاليين، مما يهدف إلى تعزيز أجواء التفاعل والحوار وتوسيع آفاق المعرفة والثقافة.
ويثري الحفل مشاركة جهات خارجية تهتم بنشر ثقافة الحوار وبث الوعي الفكري والحضاري بين جميع فئات المجتمع؛ مثل: مكتبة الملك عبد العزيز العامة، وتشارك بركن المكتبة المتنقلة. ومركز الحوار الوطني، ويشارك بورقة عمل تقدمها رئيسة القسم النسوي بالمركز الدكتورة آمال المعلمي بعنوان (دور مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في نشر قيم التعايش التسامح).
د. فوزية بنت ناصر العندس - وكيلة الشؤون الطلابية بمعهد تعليم اللغة العربية للناطقات بغيرها - جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن