تنتشر اللغات وتنمو يوماً بعد بيوم بسواعد أبنائها المخلصين لها، ونشر اللغة وتعليمها لغير الناطقين بها ليس بالأمر السهل؛ لأن تعليمها لأشخاص قد تجاوزوا مرحلة الطفولة ،والتي تصل إلى عمر الـ 18 سنة ،أمر في غاية الصعوبة . فتعليم اللغة أيا كانت في العالم تكون أسهل لصغار السن وتكون أصعب لكبار تخطوا مرحلة الطفولة. وهذه حقيقة قد لا يعرفها البعض، وعلماء النفس يقولون لنا عقل الطفل في سن مبكرة مثل العجينة بالإمكان تشكيلها على أية هيئة تريد. ولذلك أشار العالم النفسي واطسون وقال «أعطني عشرة أطفال وسوف أجعل من كل واحد منهم طبيبا، تاجرا، لصا، مهندسا... ». فالطفل قابل لاكتساب اللغات في مرحلة الطفولة أكثر من البالغين وأسرع منهم.
وإذا تجاوزنا هذه الصعوبة في تعليمها للكبار إلى هدف أسمى وهو تعليم لغة القرآن للناطقين بغيرها لنشر الإسلام، الذي نزلت آياته من السماء بلغة عربية. قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يوسف(2).
وتتعدد الأهداف وتتنوع انطلاقاً من الهدف الأسمى فالهدف الثاني من تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يتمثل في ربط الثقافات الأخرى بالثقافة العربية والحضارة العربية التي تزخر بمكونات ثقافية متعددة من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وفي المقابل ربط الثقافة العربية مع الثقافات والحضارات الأخرى للاستفادة من مكوناتها الحضارية وإرثها الثقافي. والهدف الثالث والمهم هو تسهيل الحوار مع مجتمعات ثقافاتها غير متجانسة مع الثقافة العربية في القيم والعادات والتقاليد إذا وضعنا في الاعتبار أن أية ثقافة في الدنيا تعتمد على القيم والعادات والتقاليد الموروثة، ولذلك فتعليم اللغة العربية في جميع معاهد اللغة العربية بجامعات المملكة ومؤسساتها التعليمية الأخرى مهم جدا في التعرف على الثقافات الأخرى ومد الجسور إليها في ظل وجود تقنية وثورة معلوماتية غير مسبوقة أدت إلى ظهور إعلام جديد بمسمى «شبكات التواصل الاجتماعي» التي جعلت العالم قرية صغيرة تتأثر بها الثقافة العربية وتؤثر فيها.
وفي الوقت ذاته أدت إلى تقارب الثقافات بل تعدت ذلك و سهلت الحوار مع الآخرين وشجعت على احترامهم وتقبلهم بسلبهم وإيجابهم. بعبارة أخرى أكثر دقة الانفتاح على الآخر واحترام معتقداته وثقافاته كموروث ديني واجتماعي. أما الهدف الرابع لتعليم لغتنا هو تكريس مبدأ التنوع الثقافي والحضاري ، كما أسلفنا، فاللغة هي وسيلة التخاطب والتفاهم بين شعوب عالم ومن خلالها تنشر ثقافتها ،ومن خلالها كذلك تتعرف على ثقافات الآخرين فمعظم سوء الفهم بين شعوب العالم يكون سببه ومرجعه اللغة كأحد العوائق التي تعيق الحوار البناء الذي يجمع ولا يفرق، فأي حوار يعتمد على اللغة المستخدمة في التخاطب والحوار مع الآخر. نلحظ ويلحظ غيرنا أن دولاً عديدة ومنها الدول العظمى الخمس ( أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا ، والصين ) وغيرها تغزو فضاءنا العربي بقنواتها الفضائية التي تتحدث بلغتنا العربية من أجل نشر ثقافاتها بين مجتمعاتنا العربية؟! فتلك الدول الكبرى استخدمت لغتنا العربية في التعريف بثقافتها ومن هنا يتحتم على معاهد اللغة العربية أن تكثف جهودها في تعليم أبناء تلك الشعوب وغيرها لغتنا العربية لكي يتمكنوا من التعرف والاطلاع على حضارة العرب وقيمهم الدينية الراسخة وعلى رأسها الدين الإسلامي الحنيف الذي يؤمن به أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ، دين التسامح والمحبة والسلام ،والذي تم تشويه صورته من قبل جماعات قليلة جدا جعلت منه دين تطرف وإرهاب ، ودين كراهية وقتل وعنف، وجعلت المسلم لا يحترم ويتعرض للإهانات والمضايقات في أي مكان يذهب إليه. فجهل العالم الآخر بالدين سببه جهل الناس بلغة هذا الدين الذي نزل من السماء لكي يحافظ على الضرورات الخمس ( الدين والعقل والمال والعرض والنفس) . دين نزل من السماء ليعلمنا أن اكتمال إيمان المسلم ،كما في الحديث الصحيح ، لا يمكن إلا من خلال أركان الإيمان الستة وهي (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره).
وجامعة الأميرة نورة ممثلة بمعهد تعليم اللغة العربية للناطقات بغيرها يسعى إلى فتح الحوار مع الآخر ويدعو إلى الانفتاح الثقافي ، وهي خطوة في نظري وجيهة جدا على غرار ما يتم عمله في تعليم اللغة الإنجليزية حيث يتم دمج الطلاب الأجانب في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية مع عوائل وأسر إنجليزية حتى يكون هناك تعلم سريع لوجود الممارسة اليومية مع تلك العوائل لمساعدتهم في النطق والقراءة والكتابة والفهم وفي الإملاء وغيرها حتى يتم تأهيلهم للدراسات الجامعية وما فوق الجامعية ، فيندمجون مع الطلاب الإنجليز في التعليم حتى تكون الفرص متساوية في التعليم وتصبح المنافسة شريفة في التحصيل العلمي المتميز الذي لا يفرق بين من اكتسب اللغة بالتعلم وبين الطلاب الذين يتحدثون بلغتهم الأم الإنجليزية ،وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها التعليمي يعطي الفرصة التعليمية للجميع و لا يفرق بين أجنبي وبين ابن البلد.
ولقد أصبحت معاهدنا العربية تهتم بتعليم النساء الأجنبيات والذي كان ولفترة طويلة متاحاً للرجال فقط، فالقائمات على تلك المعاهد يبذلن جهودا ملموسة ويذللن الصعاب من أجل نشر لغتنا العربية الجميلة. و جهود معهد تعليم اللغة العربية للناطقات بغيرها في جامعة الأميرة نورة وبقية المعاهد الأخرى في الجامعات والمؤسسات التعليمية بارزة.وتستحق من الجميع الاحترام والتقدير.
د. سلطان بن عبدالعزيز العنقري - مساعد رئيس المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض للشؤون الأكاديمية ومدير عام مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية سابقاً