اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ومن الواضح أن مؤتمر قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الأخير في المنامة، وانعقاده في الفترة التي تمت فيها زيارة الملك سلمان إلى دول المجلس، وما تجلى خلال الزيارة والمؤتمر من روح الأخوة الصادقة ومشاعر الود الدافقة كان في ذلك ما يشي بتتويج التلاحم والانسجام السابق بتكامل واندماج لاحق، والدخول في مرحلة جديدة من عمر المجلس نظراً للتطور النوعي في الأداء والتحول الإيجابي في المواقف تجاه تشخيص الواقع والتعاطي مع أحداثه ومتغيراته، حيث كانت القمة تتويجاً لما سبقها من العمل الدائب والجهد الصائب على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية ضد المد الصفوي والتدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة، إذ أن السقف المرتفع للتجاوب مع معطيات هذه المرحلة والتحسب لتداعياتها كفيل بأن يجعل تعزيز العمل المشترك والتعاون المتبادل يرتقيان بالمجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
ولاشك أن المكائد التي تحاك ضد دول الخليج والسياسات العدوانية التي تُنسج خيوطها هنا وهناك، لا يروق لأصحابها اجتماع كلمة هذه الدول وتوحيد صفوفها تحت سقف واحد ضمن كيان متكامل، يتحول بمُوجبه مجلس التعاون لهذه الدول إلى اتحاد، يشكل حصناً منيعاً تتحطم أمامه مكائد الكائدين وسياسات الحاقدين بحيث يتعذر على كل متربص اختراق هذا الاتحاد أو محاولة تهديد أمن دوله بغية استنزاف ثرواتها واستهداف عقيدتها وعروبتها.
وإذا كان الحاضر امتداداً للماضي فإن مجلس التعاون الخليجي قد أنشيء لمواجهة تهديدات محتملة، وتحسباً لأي طارئ، والآن وقد أصبحت هذه التهديدات المحتملة أمراً حاصلاً وخطراً ماثلاً على حدود دول المجلس، لم يبق أمام هذه الدول من خيار إلا خيار الاتحاد، وذلك لتعزيز العمل المشترك على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية مع التركيز على التعاون العسكري الذي يعتبر أعلى مظاهر الوحدة السياسية، خاصة وقد تحقق هذا الأمر في التحالف القائم ضد الحركة الحوثية ورعاتها، حيث رفعت عاصفة الحزم وما تلاها من عمليات عسكرية سقف التعاون إلى درجة الاتحاد.
وإذا كانت صيغة التعاون الحالية تم الاتفاق عليها قبل أكثر من ثلث قرن والتحديات والتهديدات في حدودها الدنيا، فما هو المطلوب والأخطار تعصف بالمنطقة وبعض دولها تغرق في مستقنع الإرهاب ووحل الاقتتال، لا جرم أن هذا يتطلب من الدول الخليجية أن تضيف إلى نجاحاتها وإنجازاتها نجاحاً آخر هو الاتحاد الفعلي الذي يكفل لها الجهوزية الكاملة وإعداد العدة الشاملة لمواجهة الإرهاب الغادر والجار الباطني الماكر والعميل المستأجر ، وكل من يتربص بها شراً من طامع مستعمر، الأمر الذي يحتم على المجموعة الخليجية أن تلتف حول بعضها البعض وتوحد كلمتها، كما تعد العدة للمواجهة وتستعد للمنازلة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، معتمدة على قوتها الذاتية وعمقها العربي وظهيرها الإسلامي والدول الصديقة المتحالفة معها، دون أن تترك مجالاً لإفتراقها أو تسمح لأحد باختراقها، ومن أراد أن يحلق خارج السرب أو يتخلف عن الركب فقد أخطأ الطريق الصحيح وذهب في مهب الريح ووقع في الأمر القبيح والقافلة ليست في حاجته والزمن كفيل بعودته.
ومن الإنصاف القول أن مجلس التعاون الخليجي منذ أن تأسس وحتى اليوم وهو يمارس سياسة متوازنة ونهج معتدل موقفاً بين مطالب تشكيلته السداسية ولزوميات هويته الخليجية وبين انتمائه القومي والديني من جهة، ومحيطه الإقليمي والدولي من جهة أخرى، فلم يتخل هذا المجلس في يوم من الأيام عن قضايا عمقه العربي وظهيره الإسلامي، ولم تشغله شئونه الداخلية وهمومه الخليجية عن شئون وهموم أمته العربية والإسلامية، وإنما كان لبنة أساسية وفاعلة من لبنات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مبادراً إلى المؤازرة والمناصرة كلما دعت الحاجة إليها، وسباقاً إلى التجاوب مع كل دعوة تدعو إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي سواءً في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الأمني أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإعلامي، كما أن له حضوراً متميزاً في المعترك الدولي والمحافل الأممية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ومواقفه مشهودة في دعم المنظمات الإنسانية وتقديم المساعدات والإعانات الإغاثية.