قالها بفعله.. نسطرها هنا للتاريخ الذي ينصع بياضاً لهذا الحاكم الشاب الذي يعرف قدر العظماء, ويدرك مقامات النبلاء, وما ذلك إلا لكونه من منبع الأصالة.. من أسرة المجد لها عنوان, والفخار لها نيشان, أسرة ارتبطت بعقيدة صافية, فكانت من المدافعين عن هذا الدين العظيم, فمكّن الله لهم في الأرض, فارتضاهم الشعب, فكونوا نسيجاً اجتماعياً مضرب المثل.
آل سعود حماة الدين, ودعاة الفضيلة, وساسة الحكمة, لـ آل ثاني بهم الارتباط القوي الوثيق، بل إن العلاقات بين الأسرتين الحاكمتين كانت وما زالت من أقوى العلاقات القائمة بين بيوت الحكم العربية.
ويوم أن قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – بزيارة دولة قطر, لم تكن المسألة زيارة مراسم وبرتوكولات دولية, بل كانت زيارة أخ لإخوانه و – ربعه – فكان الاستقبال الكبير الذي لم يكن يحمل إلا رسالة واحدة وهي أن سلمان بن عبد العزيز في بيته وبين أهله في جزء من وطنه, فما السعودية وقطر إلا وطن واحد, حكاماً ومحكومين.
هذه المقالة التي يكتبها قلبي قبل قلمي تجاه هذا الحاكم -العملاق- في فكره النيّر وخلقه الرفيع, أثارها ما قام به سموه من إهداء في غاية الذكاء لسلطان العرب وإمام المسلمين سلمان الحزم والعزم والعطاء, هذا الملك الذي تجذر حبه في قلوبنا.
سيف وخيل.. وهل بعد هذا من شيء؟
العرب على مر العصور للسيف عندهم مكانته العالية, كما للخيل كذلك.
يقول ابن عباس رضي الله عنه:
إذا ما الخيل ضيعها اناس
ربطناها فشاركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم
ونكسوها البراقع والجلالا
في إشارة واضحة جلية إلى قيمة الخيل ومكانتها, حيث جعلها رضي الله عنه تُقاسم عياله طعامهم.
ويقول مالك ابن الريب:
تذكرت من يبكي علي فلم أجد
سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر محبوكا يجر عنانه
إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
سيف وخيل.. تاريخ عربي وإسلامي يعتز بهما.. منبع قوة و رمز شهامة وفروسية, وهذا هو سلمان بن عبد العزيز, وذلك هو تميم بن حمد, توافقا فكان المهدي وكان المهدى إليه.
ولا يحسن القول ونحن نتكلم عن الخيل دون أن نذكر شالح بن هدلان وقصيدته الشهيرة المؤثرة.
يا سابقي كثرت علوم العرب فيك
علوم الملوك من أول ثم تالي
ما نيب لا بايع ولاني بمهديك
وأنا اللي استاهل هدو كل غالي
وأنتي من الثلث المحرم ولا اعطيك
وانتي بها لدنيا شريدة حلالي
يا ما حلا خطوى القلاعه تباريك
أفرح بها قلب الصديق الموالي
ويا حلو شمشول من البدو يتليك
بقفر به الجازي تربي الغزالي
الخير كلّه نابت في نواصيك
وأدله ليا راعيت زولك قبالي
حقك عليّ إني من البر ابدّيك
وعلى بدنك الخوج أحطه جلالي
أبيه عن برد المشاتي يدفيك
وبالقيظ أحطك في نعيم الظلالي
أنافدا من حصلك من مجانيك
جابك عقاب الخيل ذيب العيالي
جابك صبّي الود من كف راعيك
في ساعة تذهل عقول الرجالي
ياسابقي نبي نبعّد مشاحيك
والبعد سلم مكرمّين الرجالي
يم الجنوب وديرته ننتـخي فيك
لربع من الآوناس قفر وخالي
تلك الهدية التي حملت معاني كبيرة ذات أبعاد لا يدركها الا العربي الأصيل الذي عشق الصحراء وعرف قيمة الخيل والسيف عندما تهدى للضيف، فمن قبل أربعة آلاف عام حين استأنس الإنسان العربي الخيل في هضبة نجد لأول مرة في التاريخ، ومنذ تلك اللحظة فهي تحمل العديد من المعاني والرموز والدلالات العميقة اللصيقة بحياة الإنسان العربي الذي نشأ في الصحراء حيث تتطلب الحياة فيها نوعا من الشجاعة والصبر والجرأة وتحمل الصعاب ولأن العربي من طبعه الوفاء والصبر والذكاء فقد التصق بالخيل والتصقت به حتى صارت رمزاً للفروسية والجمال والوفاء والشجاعة والشهامة، وقد ورد في الأثر بأن العرب كانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد لهم أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تنتج، يقول أكثم بن صيفي (عليكم بالخيل فأكرموها فإنها حصون العرب)، وقيل لبعض الحكماء: أي الأقوال أشرف ؟ قال : (فرس في بطنها فرس تتبعها فرس)، وقد قالت العرب أيضا: (أربع لا ينبغي أن يأنف منهن شريف أو أمير: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وقيامه على فرسه، وخدمته للعالم)، كما ورد في قصص التراث أن ملوك العرب بلغ من حزمهم، وبعد نظرهم إلى العواقب أن احدهم لا يبيت ليلة إلا وفرسه موقوف بسرجه ولجامه بين يديه، قريباً منه مخافة فجاءة عدو، أو قضاء حاجة عاجلة، وكان للنعمان بن المنذر فرس يقال له (اليحموم)، يتعهده عشية كل يوم وهو عمل يتفاخر به العرب ويتمادحون بقيامهم على الخيل وارتباطها بأقبية بيوتهم وأخبيتهم . وقال عقبة بن سنان يصف خيلا أهديت إلى معاوية بن سفيان : إنها لسامية العيون، لاحقة البطون (أي ضامرة)، دقيقة الآذان، أفتاء الأسنان (أي قوية دلالة على مقتبل العمر)، ضخام الرّكبات (أي قوية السيقان)، مشرفات الحجبات (عالية الظهور)، رحاب المناخر، صلاب الحوافر، فهذه إن طلبت سبقت وإن طلبت لحقت.
كما أكرم الله عزَّ وجل الخيل حيث ورد ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم واعتبرها من مصادر القوة والجاه ومتاع الحياة الدنيا لقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (14 سورة آل عمران)، كما قال عزَّ وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 8 سورة النحل.
لهذا فقد عشق العرب الخيل وأكثروا فيها الوصف ومجدوها واعتبروها عزا وعزوة وفخرا وقوة، وقالوا فيها روائع الأشعار.
لاشك أن صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد استصحب كل تلك المعاني وكل ذلك التراث الأصيل وهو يقدم تلك الهدية القيمة ذات المعاني والدلالات العميقة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وهو يعلم أن ضيفه يقدر قيمة ما أهدي إليه (فنعم الهادي والهدية والمهداة إليه).