في حياة الأمم والشعوب مواقف يُسطرها التاريخ في صفحاته المشرقة الزاهية، وقد تصنع تلك المواقف تاريخًا جديدًا، أو تُعيد ترتيبَ سطور صفحاته، لتصبح أكثر إشراقًا، وخاصةً حين ترتبط بتحقيق آمال الشعوب وطموحاتها، وقد تعوَّدنا نحن أبناء هذا الوطن على العديد من تلك المواقف تسطرها حِكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - والتي تظل مصدر فخر المواطن، وتبقى في ذاكرة الوطن وتاريخه على مرّ الأزمان. وقد تمثَّل ذلك خلال الأيام القليلة الماضية في جولاته الميمونة - حفظه الله - لدول الخليج العربية الأربع؛ دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ومملكة البحرين، ودولة الكويت. فقد جاءت زياراتها في إطار حِرصه المعهود - حفظه الله - على تأكيد عُرى الأخوة بين الأشقاء الأعزاء، الذين جمعت بينهم وشائج الدم والقربى على مرِّ العصور، فعاشوا أسرةً واحدة، وتمازجوا فكرًا وتاريخًا وثقافة، ولمَّا أشرق عليهم نور الإسلام، توثَّقت بينهم صلات العروة الوثقى لا انفصام لها. وعندما أفاء الله بالرزق على أبناء هذه الأسرة، وفتح لهم كنوز الأرض، توطّدت بينهم العلاقات الاقتصادية، وأصبحوا يشكلون قوة اقتصادية وسياسية معاصرة يُحسب لها حسابها في عالمنا المعاصر.
تلك هي الأسرة الواحدة التي كانت جولة خادم الحرمين - حفظه الله - فيها شاهدة على عُمق الروابط بين الأشقاء، أولئك الأشقاء الذين تمرّ منطقتهم بظروف لا تخفى مخاطرها على أحد، ولا تتوارى التحديات التي تحيط بها عن أعين الناظرين، فجاءت جولاته المباركة في توقيتٍ شديد الأهمية، وتوسَّطَتها أعمال القمة الخليجية السابعة والثلاثين، التي التأم شملها في مملكة البحرين الشقيقة، لتتكرر معها آمال أبناء الخليج في إتمام الاتحاد بين هذه الكوكبة من الدول، ذلك الاتحاد الذي سيتوِّج - عند إعلانه - مسيرة التكامل والتعاون، التي امتدت على مدى السنوات الماضية، ولكن النظرة الصائبة والخطوات الحكيمة، والتطلع إلى المستقبل وفق رؤية بعيدة المدى لخادم الحرمين الشريفين وإخوانه القادة الكرام في دول المجلس، رأت وآثرت التريث في إعلان الاتحاد حتى يتم إقامته على أسس قوية ومتينة، تستكمل مراحل الإعداد السليم، وتعزز مسيرة المجلس، وتُحقق المصالح المشتركة الكاملة لأبنائه، بحيث تندرج تلك المصالح في منظومة واحدة راسخة، قادرة على الاستمرار والازدهار والعطاء متى ما تمَّ إعلان الاتحاد.
ولذلك فإن جولة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - جاءت في وقتٍ حاسم تمرُّ به منطقتنا ومعها الوطن العربي في خِضَمِّ متغيرات على الساحة الدولية، فأكدت هذه الجولة متانة العلاقات الأخوية بين الأسرة الواحدة، وأعلنت للعالم أجمع أن تلك العلاقات لا ينقصها إطار إداري كي يؤكدها، أو تحتاج إلى مُسمىً سياسي لكي يجمعها، فهي أسرة مبادؤها واحدة، وأهدافها مشتركة، وأبناؤها يستشعرون مصيرًا مشتركًا، يسعى قادتهم إلى أن يجعلوه - بعزمهم وإرادتهم - أكثر إشراقًا، وأرسخ بنيانًا، وأقوى كيانًا.
ولقد عبرت استقبالات أبناء الدول الشقيقة التي زارها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عن الآمال الكبيرة التي يعلقونها على قيادته للأمة في هذه الفترة المصيرية في حياتها، بعد أن انكشفت المؤامرات من حولها، وظهر الوجه البغيض لدعاوى الفتن والدسائس، ولم تعد تدخلات إيران في دول المنطقة مخفية أو غامضة، بعد أن سقط القناع عن وجهها وتآمرها في عدد من دول المنطقة وعلى رأسها اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما كشفت عن حقدها الدفين حين سعت بخبث ودهاء إلى محاولة تسييس فريضة الحج التي يجتمع لها المسلمون من جميع أنحاء العالم كل عام.
وإزاء ذلك وغيره الكثير عكست مشاعر الاستقبالات الحافلة لأبناء الخليج العربي لخادم الحرمين عن دعمهم وتعزيزهم للدور الكبير الذي يقوم به - حفظه الله - في مواجهة تلك المؤامرات بحزمٍ قوي، وبحسمٍ لا يلين، حتى يخرج بالمنطقة بسلام، بعيدًا عن مرمى ما يخططه لها أعداؤها، وحتى تصل سفينة التعاون إلى بر الاتحاد المنشود. ولعل هذا هو صميم ما عبَّرت عنه القمة الخليجية في تأكيد قادتها - حفظهم الله - في بيانهم على العمل على تنفيذ رؤية خادم الحرمين للتعامل مع التحديات، وفي تأكيدهم أيضًا على أن أمن الخليج جزءٌ لا يتجزأ في حفظ الأمن الإقليمي، وفي تأكيدهم وتشديدهم على ضرورة تكثيف التعاون لتطوير المنظومة الدفاعية لدول المجلس. وبذلك ترجم القادة مشاعر أبناء المنطقة حين أسسوا لصورة جديدة من صور التعاون الأمني والعسكري، وحين جعلوا الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أساسًا في التعامل مع التحديات التي تواجهها دول المجلس، وبذلك تأكدت الآمال أننا نحن أبناء المنطقة قادرون - بعون الله ثم بعزمنا وتكاتفنا - أن نعبر هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة حيث نَدْحر المؤامرات، ونواجه التحديات، ونتطلع إلى مستقبل أفضل، تزدهي فيه أرض الخليج العربي، وهي تعيد كتابة تاريخها.
وهكذا فإن مشاعر الغبطة والسعادة التي استقبل بها المواطنون خادمَ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في الدول الشقيقة التي زارها - وهي تؤكِّد عمق الروابط بين أبناء الأسرة الواحدة - فهي في الوقت ذاته تُعتبر مرآة صادقة، تعكس مشاعرهم نحو المملكة العربية السعودية وقائدها الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي عرفوه مُخلصًا في قيادته، صادقًا في مشاعره، حازمًا في مواجهته للفتن والمؤامرات، معتمدًا على ربِّه وهو يتطلع إلى المستقبل وفق رؤية صادقة، من شأنها أن تعيد كتابة التاريخ من جديد.
حفظ الله لنا قيادتنا، وهنيئًا لنا تلك اللُّحمة الخليجية الراسخة، التي هي سرُّ بقاء هذه الأمة وسعادتها.
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا