ناصر الصِرامي
بدون الإعلان فكل ما تستخدمه أو تشاهده مجانا أو أقل من تكلفته الحقيقية لن يكون له وجود.كل الأشياء حولنا اليوم تأتي وتتمحور حول الدعاية والإعلان، وبصراحة مطلقة لا يمكن استثناء أي شيء اليوم.
نحن نسوق أنفسنا بالطريقة التي نتحدث بها ونستعرض معرفتنا ومعارفنا، وملابسنا وعلاقاتنا، وكذلك تفعل الدول والحكومات والعاملين بها والشركات والمنتجات والخدمات، لكن نظرنا يقتصر على المباشر منها فقط.
حتى الطريقة التي تقدم فيها الأديان والمذاهب والروحانيات لا تخلو من تسويق والتبشير لفكرتها ونهجها. الكل مما سبق بما في ذلك (نحن) لا يخلو من التسويق ومن الدعاية والإعلان بشكل مباشر أو غير مباشر. الفرق هو في مدى نجاح الطريقة التسويقية التي تقدم فيها الأشياء وتعرض للآخرين.
اليوم نستخدم الإنترنت ومحركات البحث والتطبيقات وشبكات التواصل، ونشاهد القنوات والأفلام مجانا، أو نعتقد ذلك.
لكن الحقيقة الثابتة، أنها ليست مجانا بالشكل الذي نتوقعه. إنها تجذبنا أولا لتسجل أرقاماً أكبر من المتابعين والمشاركين، ولتتمكن من الحصول على الإعلان، بعد أن جمعت ودونت كل التفاصيل عنا، وقدمتها إغراء وطمعاً للمعلن، التاجر وغيره.
لقد دفعنا في الحقيقة معلوماتنا الشخصية مجانا مقابل خدمة مجانية، في صفقة تبادل يمولها الإعلان، فالإعلان والثروة المعلوماتية أصبحت أنت جزءاً منها قبل أن تكون مستهدفاً بإعلان يتوافق مع جنسك وعمرك واهتماماتك. فالتطبيقات والمتصفحات الذكية ترصد وتتابع بدقة ماذا تفعل وتقرأ وتبحث وتتصفح وتشاهد.
من البدايات كانت ولا تزال الإعلانات على الإنترنت سبباً لتتوسع بطريقة مذهلة وتتطور بشكل فائق، ولتكون متوفرة ومجانية، وهي سبب أيضا لانتشارها السريع جدا مقارنة بين وسيلة أو وسيط آخر مر في التاريخ البشري، لننتقل إلى دراسة وتحليل كيف تطهر الإعلانات داخل المواقع، إلى مقاطع الفيديو في يوتيوب، أو تطبيقات الأجهزة الذكية؟.
الإعلان سيد الموقف بلا منازع، ونموه على الإنترنت بهذا الشكل الكبير، والمزعج للبعض ربما، يعود أولاً وأخيراً لنا، لدورنا وممارساتنا كمستخدمين، لا يوجد للغالبية العظمى من البشر ما هو أكثر إغراء للتجربة وأفضل مما هو مجاني.
صاحب الفيسبوك -زوكربيرغ- اعتبر أن إجابة المستخدم سوف تكون «نعم» عند سؤاله عن رغبته في الدخول إلى شبكة اجتماعية في أي وقت وعبر أي جهاز مع إمكانية رفع ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو، إضافة إلى مشاهدة مُحتوى على حسب التفضيلات والاختيار والمشاركة مجانا. وهو ما يعنى «تصنيف» المحتوى الموجود على الشبكة من أجل إرضاء جميع الأذواق بل وفهمها واستثمارها. بعد قوقل فعل يوتيوب الأمر ذاته، ودائما من أجل الإعلانات ولتحقيق أرباح مادية خيالية.
الإعلان وبيع بيانات المستخدمين وسلوكهم ورغباتهم أمر شائع مهما قيل لك عكس ذلك، ولو كانت الإنترنت كمحتوى والخدمات أو التطبيقات غير مجانية، لما كنا وصلنا إلى هذا المستوى من التنوع والخدمات والخيارات اليوم، بل ربما لم نبلغ عصر الشبكات الاجتماعية، والإعلام الجديد.
المعادلة أو الصفقة المشتركة هي في إزعاج المستخدم مقابل ما يتصور أنه مجاني.
إلى اللقاء..