د. عبد الله المعيلي
من الخصائص التي يتسم بها الإعلام السعودي الرسمي التي يحمد عليها، الرزانة والتؤدة والهدوء في التعامل مع المتغيرات وأخص السياسية منها، يتعامل معها دون انفعال، لا سب ولا قذف ولا تغن بأمجاد كنا وكنا، يواجه الخصوم بالإعراض والتجاهل، فالسعودية لا يزعجها أبدا طنين الذباب، بل لا تلتفت إليه، وهذا مما يزيد الجاهلين حنقا وغضبا وغيظا، إنها تستلهم سياستها هذه وتسترشد بقول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: الآية 63)، ومن قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: الآية 199)، ومن قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (القصص: الآية 55).
وما أروع قول الفارسكوري:
كم من لئيم بالزور ينقله
لا يتقي الله لا يخشى من العار
فلا تبالي السماء يوما إذا نبحت
كل الكلاب وحق الواحد الباري
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالا بدينار
أعمال السعودية ودورها الرائد في المنطقة وعلى مستوى العالم هو الرد الأبلغ على كل جاهل، وزير الخارجية الجبير -حفظه الله- في رأس القائمة في كل المفاوضات شرقا وغربا، ينقل رأي الدولة بكل بلاغة ووضوح في المحافل كلها، الدور نفسه يمارسه وزير خارجية قطر، السعودية عضو فاعل رئيس في مجموعة العشرين، لم تشتر الدور، بل فرضته سياسة السعودية الحكيمة العاقلة الرائدة الصريحة، واقتصادها القوي، إنها تكافح وتنافح في كل المحافل الدولية والمؤتمرات العربية والإقليمية والعالمية، ضد إيران الصفوية المجوسية، صوت عال واثق من نفسه ومن قدراته، السعودية لن ترضى أبدا أن يدنس المجوس أي أرض عربية، أو يسمع لهم صوت فيها، هي ضد وجودهم في العراق وفي لبنان وسوريا والبحرين واليمن، موقف صارم يردد بل علانية وإصرار، السعودية تقدمت وتسلمت زمام الأمور لمواقفها السياسية وقوتها الاقتصادية، إرادة لا تلين، يعضدها ويساندها شعب كريم مؤمن بالدور والرسالة، وبالتالي ليست بحاجة إلى ردود جاهلة منفعلة على صراخ المتذبذبين الذين يبحثون عن دور لا يستأهلونه ولا يستحقونه، كل ما يملكونه تاريخ مضى وولى، وأي تاريخ؟ تاريخ هامشي هش سرعان ما تلاشى بمجرد غياب صانعوه، الجاهلون يرددون كنا نرسل كسوة الكعبة، ونرسل المعلمين والأطباء، نحن الفراعنة، الأشداء الأقوياء، هراء إعلامي لا قيمة له، لو صدقا بعضا مما تزعمون، لما استجديتم السعودية والإمارات لتمدكم بمليارات كان لها الفضل -بعد الله- في دعم قوتكم المزعومة.
الأدوار السيادية يصنعها قادة وساسة لهم باع متمكن، وتاريخ مجيد في السياسة والتعامل مع المواقف والأحداث، فقادة المملكة لم يغتصبوا الحكم بانقلاب، بل توارثوا أمجاده واستحقاقه، ومكّن الله لهم نظرا للأسس المتينة التي تبنوها في وقت الكل تخلى عن تبعات الحكم خوفاً وخشية، التمكين جاءهم ولم يطلبوه، جاءهم الحكم من لحظة المساندة التاريخية التي تصدى لها الإمام محمد بن سعود للدعوة الإصلاحية التي أحيت الأمة وأعادتها إلى أصولها، تلك الدعوة التي نفر منها الجميع وتبناها الإمام محمد بن سعود، إنها دعوة المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب، فكانت تلك المعاضدة والمساندة التي رعت الدعوة ودعمتها سبباً للتمكين.
لذا على من يبحث عن دور رائد أن يرقى بفكره وعمله إلى معطيات الريادة، هي ليست منحة ولا منّة من أحد، بل تصنعها الإرادات القوية والثبات على المبادئ الأصيلة التي تنتج النجاحات في كل مجالات الحياة، فهل يعي الجاهلون الدرس؟ هل يستوعبون عبر التاريخ؟
الطنين والنباح يؤذي صاحبه، والتغني بأمجاد هامشية تلاشت لن يصنع ريادة أبدًا.