د. حمزة السالم
المجتمع الذكوري - أيًا كانت ديانته أو أرضه- يعيش في زمن خارج زمانه ويحيا ثقافة معطيات ذلك الزمان عندما كانت القوة الجسمية هي سبب جلب الرزق وهي وسيلة الدفاع ومقاومة الأعداء، وعندما كانت الحروب تحصد الرجال وتترمل النساء، ويُغيب السفر - في طلب الرزق- المحارم عن محارمهم. هذا زمان قد قضى وانتهى وولى، وحل محله زمان العلم والتكنولوجيا.
القوة الجسمية لم تعد ذات أهمية في عصرنا، فقد ساوى العلم والتكنولوجيا بين المرأة والرجل في القدرة على استخدامهما، فالمرأة كالرجل في الإدراك والفهم، ومن ثم لا بد أن تتساوى الحقوق والواجبات. وعقل المرأة كعقل الرجل، والعقل البشري ينقص بالحجر عليه وتقييده من التفكير والإبداع. وشخصية المرأة كشخصية الرجل، والشخصية الإنسانية تتحطم بإذلالها وإرغامها على الحاجة والاعتماد على الغير. ولذا أصبح نساء المجتمع الذكوري مستضعفات فيه، بسيطات في تفكيرهن أحيانًا، لأن الرجل في هذا المجتمع سلبهن القدرة على التفكير بعد أن حطم شخصياتهن بإقناعهن بأنهن في حاجة الرجل أكثر من حاجة الرجل إليهن. وبهذا تعطلت نصف إمكانات المجتمع الذكوري الفكرية، فانعكس ذلك سلبيًا على منظومته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام.
يتلاعب الرجل في المجتمع الذكوري بالمرأة في زواج وطلاق وحجر وضرب وتسلط وتنفيس غضب دون أن يترتب على ذلك ما يحسب الرجل له حسابًا، فالمرأة في المجتمع الذكوري هي من تتحمل أخطاء الرجل وحماقاته ونزواته وصبواته وشهواته فما هي إلا قُربان الجمال يُسفك دمه تقربًا لقدسية الرجل، ولن تُشكر الضحية ولن يشعر أو يبالي بها أحد فهي رهينة المحبسين، البيت وصمت المجتمع. ولهذا تفقه بليدٌ فاستنبط سبب تخصيص الحور العين بالرجال دون النساء، فأرجعه إلى ندرة نساء الدنيا في الجنة لأن غالبهن سينتهين إلى النار لحديث البخاري «يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار». واختزل عابث- في معرض دفاعه عن المسيار والمسفار- دور المرأة بأنها مجرد وعاء للرجل. وبرر أحمقٌ ضرورة الكذب على المرأة لأنها ناقصة عقل، كما أوجب تشديد الرقابة عليها لأنها ناقصة دين. وأُهدر، في نقاش بين ذكوريين، حق المرأة في العمل والاستقلال استشهادًا بانتصاف ميراثها عن الرجل. هذه بعض نظرة المجتمع الذكوري إلى المرأة التي ستنعكس لا محالة على تطبيقاته العملية بحقها.
لا تزال المرأة يُهضم حقها وتُظلم في جميع أصقاع المعمورة ولا توجد علاقة مطردة تربط ذلك بأي دين من الأديان، بل علاقتها مطردة مع التقدم الفكري والثقافي والاقتصادي، فأينما زاد هذا التقدم في مجتمع نقص ظلم المرأة وحفظت حقوقها وأينما تأخر المجتمع في ثقافته وفكره واقتصاده كلما زاد تسلطه على المرأة واشتد هضمه لحقوقها.
إن تسليط الرجل على المرأة بقوة النظام هو تقنين وتشريع لظلم المرأة في المجتمع الذكوري، فالأصل في النفس البشرية الظلم قال تعالى في وصف الإنسان {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}.