د. محمد عبدالله العوين
ليس ما يجري في حلب المنكوبة جديداً ؛ لكنه الأكثر شراسة ودموية وفتكاً لتحقيق المخطط المتفق عليه بين أمريكا وروسيا؛ لإعادة التغيير الديموغرافي في المنطقة الذي يؤدي إلى قلب موازين القوى الطائفية والعرقية في العراق وسوريا ولبنان واليمن لصالح «إيران» و«إسرائيل»، ويتم ذلك بقتل وتهجير وتشريد ملايين العرب السنّة وتدمير مدنهم وقراهم، وإجراء إحلال وإبدال في الوقت نفسه أو بعد عمليات التصفية والتهجير، ليتشكل بعد ارتكاب هذه الجرائم المشهودة ما يسمّى بـ«الهلال الشيعي» وهو في حقيقة الأمر ليس هلالاً شيعياً ؛ بل إيراني فارسي يعتمر القلنسوة والشعارات الطائفية لتحقيق الغاية المرسومة ؛ فليس العرب الطائفيون الذين يرتكبون أبشع الجرائم والمنتمون إلى الأحزاب والجماعات الملتئمة في الحشد الشعبي السيستاني إلا مطايا يستغلهم الفرس لقتل العرب، وهو ما يحدث الآن بكل ألم، فالعربي يُنحر العربي ؛ سواء كان الناحر أو المنحور من هذه الطائفة أو من تلك، والداعشي يريق دم الجميع من كل الطوائف، وهيئ فكره لتحقيق «الفوضى» باسم الدين المفترى عليه، والطائفي الشيعي المتطرف يريق دم السنِّي باسم الانتقام من الأمويين قتلة الحسين، أو تحت شعار محاربة التكفيريين، والغاية في نهاية الأمر «القتل» و«التدمير» ولإيجاد مسوغ لتدخُّل «الأجنبي» الأمريكي من ناحية والروسي من ناحية ثانية، وهما يتبادلان الأدوار على المسرح السياسي بصورة غبية ومضحكة ومكشوفة، فمنذ اندلاع أزمة «الخريف العربي» وهما يوقدان النار، ويتلبس أحدهما بمحاولات إطفاء الحريق، بينما الثاني لا يأبه بمحاولاته فيجرجر أساطيله البحرية إلى طرطوس واللاذقية، وينشئ قاعدته العسكرية في «حميميم» وتلقي طائراته حمم الموت على المدن السنية باسم حماية الحليف الأسد ومكافحة الإرهاب، وإيران وحشدها الشعبي وحزب إبليس اللبناني والمتطرفون الشيعة من كل بلد يتوافدون إلى أرض المحرقة، اشتهاءً للانتقام أو طمعاً في المال والاغتصاب والنهب؛ كما يحدث في كل المواقع السنية التي دنستها أقدامهم.
ما يحدث في حلب استكمال لما يُعرف في وسائل الإعلام بـ«التطهير العرقي» وهو في حقيقته ليس تطهيراُ؛ بل هو تدنيس وإجرام وانتهاك لقيم الإنسانية بأبشع صورها من اغتصاب وقتل على الهوية للمدنيين المسالمين من الرجال والنساء والأطفال والتلذذ بحرقهم، وتصوير ذلك وبثه عبر وسائط التواصل لإثارة مزيد من الرعب، ولإشباع غريزة الإجرام المدفوعة بالشحن الطائفي والعرقي التاريخية عبر مئات السنين والتي أججتها ثورة «الخميني» المشؤومة.
ليست القصة في «حلب» قمعاً لثورة ناقمين على نظام الأسد فحسب؛ بل إنّ افتعال «الخريف العربي» قبل أكثر من خمس سنوات ليس إلا لتحقيق «الفوضى» الحاصلة الآن، من أجل تغيير شكل المنطقة وقلب توازناتها السياسية والدينية، وما تبنِّي الغرب للخميني وإيوائه في باريس ثم العودة به منتصراً على طائرة فرنسية وبحماية المخابرات الأمريكية، ثم افتعال الحربين في العراق للقضاء على جيشه، إلا خطوات متسلسلة للوصول إلى هذا الهدف وفق الظروف المواتية.
لقد تم قتل مئات الآلاف من العراقيين والسوريين السنّة، وهجر ملايين منهم إلى المنافي في المخيمات العربية وفي أصقاع العالم، ودمرت عشرات المدن وسويت بالأرض طوال سنوات الربيع المزعوم للوصول إلى التغيير الديموغرافي المطلوب.
ليس أمام العرب والمسلمين إلا التنبُّه واليقظة والحذر ورص الصفوف ووحدة الكلمة والموقف، فليست حلب والموصل وتكريت والرمادي والرقة وأدلب وجسر الشغور والغوطة وتعز، إلا حبات في السبحة السنية الطويلة.
التتريون الجدد يزحفون على بلاد العرب والمسلمين ويهلكون الحرث والنسل بتواطؤ صهيوني صليبي عالمي.