د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
نتيجة انخفاض الأسعار، بدأت الدولة تتجه فعليا نحو تقليل اعتمادها الكلي على مداخيل النفط، وهي تبحث في نفس الوقت عن بدائل أخرى إلى جانب تنشيط القطاعات الاقتصادية، ما يعني أن القطاع الخاص الذي كان يعتمد على الدولة التي تعتمد على مداخيل النفط قد انتهى، بل إن القطاع الخاص في كافة دول العالم يعتبر محرك اقتصادي مستقل عن دعم الدولة، هذه المعادلة لم يستوعبها بعض المسؤولين، وفي نفس الوقت يتجاهل القطاع الخاص هذه المعادلة أيضاً.. لكن القطاع الخاص لا يزال اعتماده على الدولة وعلى العمالة الوافدة الرخيصة، مما يتسبب في تعميق مشكلات الاقتصاد الكلي.
تركيب الهيكل السكاني في المملكة العربية السعودية يختلف عن تركيب الهيكل السكاني في بقية دول الخليج، فنسبة السكان السعوديين تزيد عن 67 في المائة من إجمالي السكان، فيما عدد السكان الإماراتيين والقطريين لا تزيد نسبتهم عن 15 في المائة من إجمالي السكان، لكن حينما نرى أن نسبة عدد المشتغلين في السعودية تقدر بـ40 في المائة وهي أقل من نسبة السكان الـ 67 في المائة فمن الطبيعي أن ترتفع نسب البطالة، فيما نجد أن عدد المشتغلين السعوديين في القطاع لا تتجاوز 16 في المائة وهو بمثابة خلل هيكلي لم يتمكن المسؤولون من التعامل معه.
رغم الجهود الجبارة التي بذلتها وتبذلها وزارة العمل في توظيف السعوديين في القطاع الخاص، وسبق أن فندت تلك الإجراءات واعتبرت أن السعودة إجراء مؤقت وليس دائماً، لكن تم توجيه عدد من الانتقادات لمقال كتبته انتقدت السعودة على صفحات مجلة اليمامة وكان رد المركز الإعلامي بوزارة العمل حينها بأن إجراء الوزارة هو ضمن استراتيجية تم إقرارها من الدولة.
ولكن كيف يرتفع عدد العاطلين السعوديين 48 في المائة في 10 سنوات ما بين عامي 2006 - 2016، بل والغريب أن الثلث الثالث من عام 2016 تم توظيف 17916 سعودي بينما تم تشغيل 672623 وافد، أي أكثر من 38 ضعفاً، ولو أن الوزارة اعتمدت فقط برنامج السعودة قبل تسميته بالتوطين لما استمر الخلل بهذا الوضع، بل كان يفترض أن يحدث العكس لما كانت هناك بطالة.
وهذا يعني أن وزارة العمل وكأنها مجرد مسير لأعمال القطاع الخاص، وليست متجه نحو تحقيق التوطين والذي يهدف إلى القضاء على السوقين الذي أحدهما للوافدين وهو خاص بالقطاع الخاص يمكن أن يستعين به القطاع العام، والسوق الثاني الخاص بالسعوديين خاص بالقطاع العام ولكن يمكن استعانة القطاع الخاص به وكأن الاستعانة استثناء بسبب اعتماد القطاع الخاص المطلق على الوافدين نتيجة تعثر وزارة العمل في توحيد السوقين في سوق واحدة لتحقيق التنافسية بين الطرفين «وافدين وسعوديين» وفق الكفاءة وليس وفق الأجر وهو ما جعل الدولة تتريث في تحقيق إستراتيجية التخصيص التي اعتمدتها بسبب غياب سوق عمالة يعتمد التوطين.
اتجهت الدولة بعد تعثر وزارة العمل في مواجهة البطالة ومواجهة القطاع الخاص في نفس الوقت بتشكيل هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة لتحقيق التحول الوطني ورؤية المملكة 2030 ووضعت لها أهدافاً لتحقيقها من أهمها زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 في المائة إلى 30 في المائة، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة، لكن لم أطلع على آليات الهيئة التي ستتبعها في تطبيق هذه الأهداف، وهل هي هيئة منفصلة عن وزارة العمل أم هيئة من داخل الوزارة؟.
يبدو أننا لم نعتبر البطالة لدينا ليست بطالة حقيقية، وإنما هي بطالة هيكلية أي بسبب اعتماد العمل الإنتاجي في القطاع الخاص على العمالة الوافدة حتى نتمكن من وضع الخطط لمعالجة المشكلة، وكذلك علينا أن نؤمن بأن السعودة التي تم تسميتها مؤخراً بالتوطين ليست قادرة على تحقيق وظائف مستدامة، بسبب أن هناك فرقاً كبيراً بين السعودة والتوطين، وأن السعودة هي وظائف إحلالية، بينما التوطين لديه آلية لتوليد الوظائف وفق آلية السوق التي تعتمد على العرض والطلب، لكن في ظل وجود سوق عمالة وافدة فإن سوق العمالة متعطل.
وبحسب الإحصاءات، فإن السوق السعودي لديه قدرة على توليد الوظائف، وأستطاع أن يولد وظائف جديدة ما بين عامي 1999-2014 نحو 5.5 ملايين وظيفة تتوزع بنسبة 46 في المائة للمواطنين أغلبها في القطاع العام، و54 في المائة للوافدين أغلبها في القطاع الخاص، وهناك دراسات توقعت أن يدخل سوق العمل سنويا حتى عام 2020 نحو 408 ألف مواطن، بينما انضم إلى سوق العمل ما بين عامي 2006- 2016 بمعدل سنوي 202 ألف مواطن سنوياً.
أي أننا نحتاج إلى توليد وظائف تقدر بنحو 1.6 مليون وظيفة بجانب توليد وظائف إضافية أخرى لتخفيض نسبة البطالة، أي أننا نحتاج إلى توليد وظائف عام 2020 بنحو مليوني وظيفة، وإذا ما استمرت إستراتيجية وزارة العمل السابقة، فإن البطالة سترتفع كما ارتفعت خلال الفترة الماضية التي ارتفعت نحو 48 في المائة خلال 10 سنوات.