ياسر صالح البهيجان
تحديات كبرى تواجه المجتمعات البشريّة في أنحاء العالم كافّة؛ نتيجة تزايد حجم استهلاك الإنسان للموارد الطبيعيّة على كوكب الأرض، الذي سيُصاب بالعجز في المستقبل أن ظلت معدلات الاستهلاك والهدر على حالها دون إعادة تشكيل آليّات عمل المنظومات الاقتصاديّة، وستتفاقم أيضًا أزمات الأغذية وندرة المياه والطاقة فضلا عن مخاطر التغيّرات المناخيّة.
سلبيّات متعددة أفرزتها الأنماط الاقتصاديّة منذ انتقال الإنسان إلى عصر الصناعة، وامتدادًا إلى العصر التكنولوجي في وقتنا الراهن. وظهرت مؤشّرات خطرة تؤكد قرب نفاد رأس المال الطبيعي الكامن في باطن الأرض، ما يشكّل تهديدًا اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا ستواجهه الأجيال المقبلة، ما يفرض تدابير اقتصاديّة أكثر صرامة للحفاظ على استمرار الجنس البشري.
وفي خضم هذه التحديات والمخاطر، يبرز «الاقتصاد الأخضر» بوصفه أحد الحلول الملائمة لمساعي تحقيق التنمية المستدامة، إذ يفصل هذا النوع من الاقتصاد بين استخدام الموارد الطبيعي والتأثيرات البيئية وبين النمو الاقتصادي، وتتطلب إصلاحات في السياسات الاقتصادية، ودعمًا للاستثمارات في القطاعات الخضراء؛ لخفض كميات الطاقة في عمليّات الإنتاج، وتقليص نسب كميّات النفايات، والحد من مستويات التلوّث، ومواجهة تزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
الاتجاه نحو «الاقتصاد الأخضر» من شأنه أن يقلل من القلق الناجم عن نقص الغذاء والمياه والطاقة، ويدعم بقوّة تحقيق الحكومات لخطط التنمية المستدامة المنسجمة مع التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، إضافة إلى إتاحته لفرصة إعادة تشكيل آليّات إدارة الاقتصاد على المستويين الوطني والدولي، بما يحفظ للبيئة جوهرها الأصيل، وينمي في الآن ذاته إمكانات الاستفادة من الفرص الناشئة.
وليس بالإمكان قياس مدى تقدّم مجتمع من المجتمعات نحو تنفيذ آليّات «الاقتصاد الأخضر» عبر معايير عامّة؛ لأن كل بيئة جغرافيّة تتسم بخصوصيّة وتفرّد من حيث مواردها الطبيعيّة، ومعدلات استهلاك الأفراد لها. لذلك فإن كل منظومة اقتصاديّة مطالبة بأن تضع رؤية مستقلة تنسجم مع طبيعة منطقتها، وتحدد في ضوئها مؤشرات الأداء، وتقيس من خلالها نجاعة خطواتها التصحيحية.
الحكومات تدرك حجم المخاطر البيئية إزاء السلوكيّات الاقتصاديّة الحالية، واتفقت خلال القمة العالمية بشأن التنمية المستدامة في عام 2002، على أهميّة تعجيل اتخاذ التدابير اللازمة للتحوّل نحو الإنتاج والاستهلاك المستدامين، إلا أن ما تحقق منذ تلك الاتفاقيّة لا يزال دون المستويات المأمولة، إذ لم يجر التعامل بصرامة مع التكنولوجيات التقليدية التي تسهم في تهديد حياة الإنسان والبيئة، فضلا عن الطرق غير السليمة في التعاطي مع المواد الكيميائية والنفايات الصلبة والخطرة، إلى جانب تأخرها في إنشاء أسواق جديدة تحفز الاستثمار في الإنتاج المستدام الذي سيحد من استنفاد الموارد الطبيعيّة الهامة ويوفّر بيئة صحيّة مكافحة للتلوّث ومعززة لسلوكيّات الاستهلاك المستدام.