سعيد الدحية الزهراني
هل لا يزال «فعل الكتابة بوصفه منتجاً اتصالياً» حاضراً الآن؟ أم أنه توارى وخفت حضوره بناء على خفوت تأثيره؟.. الذي يظهر أننا أمام مرحلة جديدة ضمن سيرورة البناء الحضاري الإنساني.. هذه المرحلة تراجع فيها «فعل الكتابة الاتصالية» في ظل ولادة وظهور «الشفاهية الالكترونية» التي خرجت من رحم المنظومات الشبكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبصيغة أكثر شمولية: نحن أمام انحسار ثقافة الحضارة الكتابية اتصالياً وإعلامياً.. وبالتالي انحسار تأثيرها.. ثم انحسار المؤسسات القائمة عليها بالضرورة.. في المقابل نحن أمام بروز تطبيقات البيئة الاتصالية الالكترونية الجديدة وبالتالي بروز تأثيرها ومن ثم تشكّل ثقافة الحضارة الشفاهية الالكترونية.. وكأن البشرية تعود من حيث انتهت إلى حيث ابتدأت..
إن تراجع صناعة الصحافة اليوم ليس نتيجة لتراجع سوق الإعلان وليس لعزوف القارئ عن التعاطي مع نشاطها الاتصالي.. بل لظهور ولتشكل سياق ثقافي جديد ولّدته البيئة الاتصالية الجديدة.. القضية أبعد من معلن ومن متابع.. إنها قضية ثقافة بالدرجة الأولى.. وهي بصورة أدق وأشمل: انتقال من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى.. انتقال من مرحلة الكتابة اتصالياً وإعلامياً إلى مرحلة الشفاهية الالكترونية..
هذه الشفاهية الالكترونية قائمة على استخدامات تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي.. التغريدة الموجزة في تويتر.. والصيغة الاتصاليية في فيس بوك.. والصورة في انستقرام.. والتسجيلات المرئية في سناب شات.. وفق توصيف والتر أونغ.. هي في حقيقتها فعل شفاهي الكتروني جديد يقوم على استثمار الاقتصاد اللغوي المرتكز على قيم الخطابية والمباشرة والبلاغة والتذكر السريع والانتشار.. على العكس من فعل الكتابة المرتبط بالفكر والقراءة وبالتحليل وبالحالة الواعية.. يقول الرئيس التنفيذي لشركة سنا بشات ـ وفق جو ويزينثال ـ : (يتساءل بعض الناس لماذا تلتقط ابنتهم 10 آلاف صورة في اليوم .. وما لا يدركونه أنها لا تحتفظ بشي من تلك الصور.. إنها فقط تتحدث) لاحظ صيغة الشفاهية الالكترونية وأدواتها.. إنها الصورة والسنابة والتغريدة..
* مانراه اليوم ليس نتيجة.. ما نراه اليوم مقدمة نتيجتها مآلات!