عبد الله بن حمد الحقيل
توجه دول العالم عناية خاصة لإبراز تاريخها وأماكنها الجغرافية التي تركت بصمات ناصعة على جبين التاريخ.
وتعتبر الدراسات المتعلّقة بالمدن أحد أهم فروع علم الجغرافيا في عصرنا الحديث وتزداد أهمية مثل هذه الدراسات، وكم نحن في حاجة إلى معرفة المزيد من مصادر تاريخنا المحلي وتراثنا، وأن نولي تاريخ مدننا العناية الفائقة، فنقوم بجمعه وحفظه ودراسته ونشره ضمن مشروعات علمية تاريخية تسد فراغاً واسعاً في المكتبة التاريخية وحفظ مصادر تاريخنا.. وتوثيق تاريخ بلادنا ومدننا وقرانا التي كانت ممتلئة بالحياة ولها تاريخ معروف في تاريخنا القديم، ونخرج عنها مؤلفات تحفظ تاريخها وأعلامها وأماكنها التاريخية.. لقد هدمنا الكثير من المدن وتبعثر كل شيء فيها، واستبدل كل ما فيها من الماضي، ومسح منها ذلك التاريخ وأن نوثّق تلك المعالم والطرق والبيوت والبساتين التي عدت عليها عوادي الزمن، مما أدى إلى حدوث تغيرات سريعة في بنية ومظهر مدننا عمرانياً، تدخل الكثير اليوم من مدننا وقرانا تحرص على قراءة تاريخها ومن بناها ومعرفة آثارها، فقد هدمنا كل ما فيها من تاريخ، فنحن للأسف لا نكتب تاريخ مدننا ولا نسجل أسماء من بناها. أعرف الكثير من البلدان والمعالم التاريخية التي كانت تعيش في أذهاننا وتردد في أفواهنا.. نتذكّر تلك المساكن والملابس والمآكل والمعالم والمساجد وغيرها، ولقد عدت عليها عوادي الزمن دون تسجيل وتوثيق، لقد بقيت تلك الآثار ذكريات في أذهان الكبار والمسنين الذين عاصروها رغم افتقارها إلى الدقة وعدم الشمول... لقد نشأت أجيال طالعة لا تعرف عن مدننا وقرانا وحياتنا السابقة شيئاً، لقد رافقت العديد من الشباب في زيارات لبعض مدننا، فوجدتهم لا يعرفون عنها شيئاً ولا عن تلك المعالم والآثار القديمة، وفي ضوء هذا الواقع فإن مهمة الباحث تكون مضاعفة.. إن تاريخنا جزء مهم من هويتنا، وآثارنا تجسيد ملموس لها، والشعر المشتمل على الأماكن خدم المؤلفين فصنعوا المعاجم وحددوا الأماكن بناءً على استشعارهم بالشعر فأبو عبيد البكري في معجمه من أدق المعاجم في تحديد ومعجم ياقوت استقصى الكثير من الأماكن والأودية والجبال، ولقد قيل:
وإذا لم تدري ما قوم مضوا
فاسأل الآثار واستنب الديارا
لقد حفظ الشعر الكثير من تاريخنا، فالشعر سجل حي للمؤرخ فهو مصدر للمعرفة ووعاء للثقافة ولقد قيل (شعر العرب ديوانهم وحافظ آثارهم وتاريخهم) ولقد حفظ الشعر الكثير من أسماء المدن وتراثها وحضارتها وأعلامها. وكم تهتم الأمم بالمحافظة على آثارها وتاريخها والعناية بتراثها وصيانة ذلك من التمزق والشتات والضياع وحراسته من العبث والاندثار.. ولا شك أن المتاحف اليوم في بعض بلادنا حفظت شيئاً من تاريخنا فالمتاحف مظهر حي يجسم أطوار التاريخ ويمثل تاريخ المدن وحياة الأسلاف ومعرفة طبيعة تلك العصور الغابرة وساعدت الباحثين والمؤرخين ومن يهتم بدراسة التراث.
إن الكثير من مدننا وقرانا تذكرنا بأشياء كثيرة بماضيها التاريخي المجيد وحاضرها المزدهر كل ذلك يجعلنا نتطلع إلى أهمية كتابة تاريخ مدننا وبتسجيل من بناها في مداخلها وما بقي من تراثها وخصائصها الطبيعية، وهذا خير إجابة للتساؤلات الكثيرة التي نسمعها من شبابنا وأبنائنا عند زيارتهم لها واستعادة شيء من بقايا آثارنا وتراثنا الذي هو شاهد على التاريخ والماضي العريق الذي بقي منه ما هو مدون في الكتب حيث تبدلت كل صوره وهدمنا كل ما فيها من آثار وتاريخ.
إن الأمل كبير في الاهتمام بتأريخ مدننا وتراثها الثقافي وتسليط الضوء على ذلك وتقديم المزيد من المعلومات التاريخية عنها فالمكتبة التاريخية والجغرافية ما زالت في حاجة إلى المزيد منها ولاسيما في هذه المرحلة التي تشهد فيها بلادنا نمواً مطرداً في مختلف الجوانب.