نادية السالمي
أنا مع غادة السمان في ممارسة حريتها بنشر رسائل «أنسي الحاج» و»غسان كنفاني» ومن بقي في أوراقها فيما لو _وتحت لو ألف لو_ أطلقت غادة جناح كل الرسائل من هؤلاء إليها، ومنها إليهم
فلا بد أن لها ردة فعل تجاه هذه الرسائل، ومن المستحيل وغير المعقول أن تقاوم غواية الأدب لو قاومت غواية الحب بالجمود، دون حرف يغلق الباب في وجه المرسل أو يفتحه!.
فتكون بهذا أكملت المشهد الأدبي_طالما أن الداعي للنشر غواية الأدب كما يزعم البعض _ دون بترٍ يجعل من غادة مبتزّة لأموات حُرم عليهم الإدلاء بما كان في الصدور والسطور فلربما بعد هذه الرسائل وتدفق هذا الكم من الود انقلبت المحبة إلى عداوة، وتبدل شعورهم فأرسلوا رسائل أخرى!، أو أنكروا معرفتهم بما في الرسائل!.
أعذار لا تشفع لغادة السمان:
محبو غادة السمان إزاء هذه الرسائل جاءوا بتروس من الأعذار كفيلة بحجب النور وقتل الحرية والمروءة بدم بارد كقولهم إن: «الحاج» قد نهج هكذا طريقة مستشهدين بما كتب عن فيروز!، وأنه محب للمدارس الأوروبية المتسربلة بالحرية، والتي لا ترى في مثل نشر هذه الرسائل إلّا ماينفع البوح الأدبي، وبماذا يختلف الحاج وغسان وغيرهم عن «رامبو» أو «كافكا» فحياتهم الخاصة وما فيها من رسائل كانت أدبًا في ضيافة الأدب؟، ومنهم من قال إن غادة لا تنقصها الشهرة حتى تطلبها، كل ما هنالك أن مصلحة الأدب أجبرتها كي لا يُنسى هذا النوع من الفنون وقد يُدرس وينتفع بها طلاب الأدب كما في الجامعات العالمية!.
وكل هذه الأعذار في رأيي غير صالحة للاستهلاك الأدبي ولا الثقافي وتنم عن نقص حاد في إيمانهم بمفهوم الحرية. لو تم نشر هذه الرسائل في حياة أصحابها وإن فات مافات من عمر الرسائل والحب لقلت «غواية الأدب» فرضت على الأدباء ديدنها وركضوا خلف فنونها.
أما إعجاب «أنسي الحاج» بالمدارس السريالية أو حتى شغفه بخصوصيات ورسائل «كافكا» و»آرثر رامبو»، لا يعني ولا يبيح اقتحام حرفه وماكان في قلبه بعد وفاته!، وحديثه عن فيروز كان في حياة فيروز ما يعني أن حق الرد مكفل لها!.
أما أكثر الأعذار قباحة أن غادة السمان لا تنقصها الشهرة حتى تسعى إليها بهكذا رسائل، وأقول لسادة هذا العذر:نعم هي تكتب في «القدس العربي» لكنها مغيبة عن دائرة الضوء ، غادة فقدت الضوء وتريد استعادته بالطريقة الخطأ! متجاهلة أن للضوء سنّة تسري على الصغير والكبير، وإذا كانت أول أبجديات الضوء الزهو بالنفس فآخره اللعنة إن لم يتدارك صاحب الضوء نفسه، لهذا عليها أن تولّيه ظهرها قبل أن يخبو أكثر فأكثر وتحترق بانطفائه ،والذي يعرف تأريخ الضوء، وهي ممن عرفه لابُد أنّه لامس هذا من خلال مشاهداته لأصحاب الضوء، ولا بُد أنه أدرك أنّ عليه ترك دائرة الضوء في التوقيت المناسب مُخلّفا وراءه إرثًا للأجيال كلمة الفصل فيه. هذه الحقيقة لا تخفى على كل ذي لُب كــ العزيزة في قلبي وفكري غادة السمان سيدة الحرية، وأيقونة الأدب.
كما لا ينبغي أن يخفى عليها أن الحرة حين تكون مستعمرة بغواية الأدب والشهرة تفقدهما معًا، ويا للخسارة.