د. صالح بن سعد اللحيدان
لا يتسع القول هنا كما لا يتسع القول هناك أن يقال بضرورة معالجة المشاكل في وقت واحد وفي عجلة من الأمر.
لا يمكن فعل هذا والعالم الآن - وإلى أي مدى لا أدري؟ - أصبح أشبه (ما يكون بالقرية الواحدة)، وقد تعددت - ولا جرم - التقنيات المتطورة؛ فلا يمكن الحد من شيء يريده أحد ما بالغ ما بلغ الأمر.
وإذا كان الأمر كذلك فإنني من هذا الباب وفي دراساتي السياسية والإدارية يمكن التحسين من الوضع الذي يراد التنبه إليه وإصلاحه، وذلك بالقيام بعملية التحسين استراتيجيًّا عملية علمية ونفسية في آن. هذا أقوله إذا أُقيمت العملية وفق منظور بالغ الدقة والشفافية ودوام الملاحظة.
ولكي تتضح الصورة جليًّا - وهذا مما يجب إيضاحه - فليس علي إلا ضرب المثال، وهو مثال واقع، وليس هو بخافٍ إلا على من لم يتعمق بسيرة الحياة المعاصرة سياساتها وأحوالها الدقيقة.. وكنت أنحو باللائمة على كثير من زملائي في كثير من المؤتمرات والندوات؛ وذلك لعدم استيضاح الحقائق ببسط وصراحة من القول على حقيقة يحسن أن يسار عليها.
والمثال الذي رمزتُ إليه خذ مثلاً له بقرية أو قريتين أو ثلاث من القرى هذه أو تلك يظهر منها التشغيب والإثارة التي تصل إلى زعزعة الحال بحال من المداومة على هذا بين حين وحين.
وهذه القرى إنما هي ضمن محيط عام في داخلها قرى ومدن ومصالح وسيادة واحدة مطاعة.
لا شك أن هذا أمر فيه قلق وترقب، وقد يكون فيه تخوُّف، وهذا من الصحة بحيث لا يمكن رده، فكيف تراني أتصرف كسياسي أو أمني يعود الأمر إليّ؟
الذي يجري مكشوف نعم، هو مكشوف لكن قد يحصل أمر فجأة فنعيد الموازين دراسة وتحليلاً وحيثيات ووجهة نظر... إلخ.
لكن الحال تستمر في هذه القرى مثلاً.. تستمر. هنا لا بد من أن تتحرك الدولة - أي دولة - بواسع من الدهاء متين، وبواسع من سعة الحيلة والشعور بالمسؤولية لوضع الرد من الاستعداد له قبلاً عند الموجب له.
فلكي ينتهي هذا من هذه القرى أضع في الحسبان أنه من لوازم الحل وليس هو كل الحل أن أضع في الحسبان توطين بعض العلماء، وتوطين بعض المهندسين والمدرسين وبعض التجار، كذا أفعل من موقع مسؤوليتي المطلقة.. نقل بعض الطلاب مع أسرهم إلى تلك القرى، ويتم قبل ذلك أن يكون المدركون منهم يدركون الهدف وليس الكل؛ ذلك أن الهدف هو الاندماج بأريحية وأخلاق وشدة ولاء واعٍ لولي الأمر للتأثير في الحياة علميًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا... إلخ, مع بذل الخلق الواعي.
هنا قد يتأثر الوضع قليلاً قليلاً، لكن ما علينا؛ فلا بد من الاستمرار على هذا المنوال، والإصرار وسعة الحيلة وحسن التوجيه والتدبير، مع التغاضي عن صغار المنغصات غير الحساسة؛ لأن هذا (عدم التغاضي) يجلب التنبه من هذا التوطين والقصد منه؛ فقد تنقلب الموازين، وقد يصعب علاجها إلا ببالغ من شق الأنفس كبير.
ولكن هذا يحتاج إلى ورش من العمل متطاولة؛ حتى يتم الأمر على حال مُرضية، ولو بنسبة معقولة.
وليس من اللازم أن يبلغ الأمر محله، لكن يكفي قليل هذا عن كثيره.
وقد نجح هذا في كثير من الدول عبر القرون، لكن حسب صور مختلفة، فضلاً عن أن بعضها تجملت بالصبر الواعي العميق مع شدة اللؤى وكثرة المخاوف، لكن تم - بحمد الله تعالى - شد رباط السيادة ونبذ الآراء والتشويشات التي كانت قد تفعل عجبًا لولا لطف الله تعالى.
وفي مقدوري أن أستعرض في هذا المعجم من هذه المجلة ذائعة الصيت الصور والأمثلة على كثير مما كان، ولكن المساحة ضيقة، إلا أن من يكرر القراءة بواسع من التأني والاستنطاق يدرك ما قد يغنيه عن نظر المطولات والقصص والأمثال والأفعال في حضارات خلدت وبقيت (ولا ينبئك مثل خبير).
أبدأ الآن بشيء من بيان مفردات السياسة التي لعلها تجدي وتفيد، وهو ما يخص هذا المعجم:
أولاً: ساس
درب وراقب
ثانيًا: ساس
علّم (بتشديد اللام)، وهذا ينصب في غالب معنى على الخيل والجوارح من الطير.
ثالثًا: ساس
بيّن ووضّح حقيقة ما يريده من سياسة القول أو الكتابة.
رابعًا: ساس يسوس
علَّم غيره وقام عليهم بالولاية المطلقة.
خامسًا: تُساس
بضم التاء تعلم وتدرب بضم التاء في المفردتين، ويقام عليها، وهذا مثل الرابع.
سادسًا: السياسة
أصلها من المستجدات في العلاقات، وأصل معناها حسب قراءاتي (فن الممكن مع صدق التوجُّه والدهاء الواعي).
وأصل السياسة إحسان العلاقة وتحسينها بواسع من الفطنة وتبادل المصالح والاستفادة وتبادل الخبرات دون غمز أو لمز أو إثارة.
وأصل السياسة - حسب فهمي - ألا تتدخل دولة بشؤون دولة أخرى ما لم يتم استشارتها على وجه من الوجوه.
سابعًا: ساسهم
قادهم ورتبهم، ونظر أمرهم، وقام عليهم بحكمة وعقل وعدل مبين.
ثامنًا: يسوس نفسه
يقوم عليها لتحسين حالها وأخلاقها وأعمالها.