الثقافية - محمد هليل الرويلي:
لغيرته اللاذعة على حقل الثقافة انداحت حنجرة الخوجة بمطلب أثيث الأهمية بأن تكون للثقافة هيئتها أو وزارتها الحرة, لا لترسفهم بأغلال التحييد، بل تفثأ الفضاءات لفراشاتهم وتدويم عجلة سيرورتهم التبديعية, ناهيك عن أن تكون لهم وطن محرض لتذكية صحية المناخ وتمصيله بقبائل الشحذ الهممي المأهول بغيوم حبل كيميائيتها الأرواح التنافسية {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} لينبثق عن هذا التمازج والتساوق رحيق مُشهدن بجميع نُتوجات الثقافة الإنسانية, لأنه يؤمن بأن الثقافة لا وصاية عليها ألبتة، وعلى المثقف أن يلتذ بفضاء حر يغُذ سيرَهُ فيه, والمشروطية في السقف ضميرية هو أسبَر من يخبرها ويكتهنها. فالمبدع المخصور بالأسلحة الناسفة والخطى الحذرية حتماً سيخثر نزفه ويأتسن. وعرّف الخوجة بأن الشاعر «ناسك متبتل في محراب الشعر، وعاشق ممتثل للقصيدة، وهو مثل تابع أو جرم سماوي صغير يسبح في أفلاك الكلمة ويسافر في مجرات الشعر وبين ملكوت القوافي. والشاعر هو القصيدة يكتبها وتكتبه، يسكن في أبياتها، وتسكن في جوانحه، وهما معًا حالة «وجد وقدر واختيار وتوحد» موفور الوفاء هذا الأشم لأصحابه الذين ارتحلوا, وبالغ النمارة والطهروية مع الأحياء, ينفث في عروق الحياة حيوات ذات بعث وحيوية. في الجزء الأخير من حوار «الثقافية» مع معالي سفير خادم الحرمين الشريفين في مملكة المغرب الدكتور الخوجة خالجنا بما يضمره وهتك لنا أقفال صندوقه الأسود وبطن حوته الغوير عن سر يتمنى تحقيقه؟ وهو تجسيد ما تتضرس به روحه ومغاراتها التي لم تتمرأى لنا ولم تبح بها جوانحه، بل ظلت مهمدة تحت أضلعه, ألا وهو وضع مذكراته بين دفتي كتاب قبل أن يدفن العديد من الخفايا والأسرار..
* هذا الحضور الكثفاني المثجاج للمرأة والرؤية العميقة قد صبغت شعر الخوجة بنورانية باذخة تستدعي وقوف الباحثين عليها واستخراج محاراتها وركازها حدثنا أيها المفكر عن سر كنه هذا الحضور الواعي في نهجك وعن دواعي تقهقر سيرورته لدى شعرائنا محليًا وخداجه؟
- الحضور المكثف للمرأة في شعري، حضور لنصف العالم أو ربما أكثر. وهو حضور للرقة والجمال، للعفاف وطيب الخصال، للأنوثة والدلال، للحسن والسحر الحلال. هو حضور للأم الرؤوم وللأخت الحنون، وللزوجة المخلصة، وللابنة الوفية، وللجدة الطيبة، وللخالة الحبيبة وللعمة العزيزة. وهو حضور استثنائي للحبيبة الغالية التي لولاها ما أزهر الخيال، ولا تغنى الشعراء، ولا ترنم أهل الطرب. فكيف لأي شاعر ألا يعطي المرأة ما تستحقه من التبجيل والتكريم، وهي التي تمنح هذا الكون الخصب والروعة والحنان والجمال والرجال، وكل أنواع العطاء الباذخ واللا محدود.
* «إن لم
تأت الفراشة
إلى
نافذتي
أرسمها
على زجاجها الرطب» أو كما قال
«الشعر الذي يكتبني لأجلكِ
يشعرني ب أني لست شاعره
بل أنِتِه فِيّ» (محمد الريشة)
* يقال «كتابة القصيدة مغامرة المغامرات» فكيف تتهيّب للغوص في دهلوزة قصيدتك؟ وكيف تتقي اندلاعية حممها البكر لحظة جسدنتها على رغيف الورق؟
- الشاعر ناسك متبتل في محراب الشعر، وعاشق ممتثل للقصيدة، وهو مثل تابع أو جرم سماوي صغير يسبح في أفلاك الكلمة ويسافر في مجرات الشعر وبين ملكوت القوافي. والشاعر هو القصيدة يكتبها وتكتبه، يسكن في أبياتها، وتسكن في جوانحه، وهما معا حالة وجد وقدر واختيار وتوحّد. وحقيقة قد تكون كتابة القصيدة مغامرة، في حين أن الوردة التي نراها هناك هكذا، لا تدري أنها تمنح لونها البهيج، ولا تدرك أنها تنثر عطرها الجميل، ولا تعرف أنها خلقت لمتعة الناظرين، مثلما الشاعر لا يأبه كثيراً لمغامرة كتابة الشعر، فهو ربما ينظم الشعر لنفسه أولاً ثم للآخرين، لكنه يدرك أنه خُلق شاعراً حتى ولو لم يكن يتأمل كثيراً في حقيقة أنه شاعر يصنع الفرح ويرسم الجمال، مثله مثل تلك الوردة، التي تمنح لونها الزاهي وتنثر عطر عبيرها الفواح، دون أن تدرك سر ذلك العطاء الرباني الجميل. وهكذا الشاعر يمنح جمال دواخله للآخرين مرسومة في لوح ة قصيدته التي هي نبضه وروحه وعقله. فلا تهيب إذًا لدى الشاعر حين مغامرة كتابة القصيدة والغوص في دهاليزها لأنها تسكنه ولأنه يسكنها، بل هو القلق الخلاق وهيبة الموقف المرتبطة بميلاد القصيدة. وإذا كان لا بد من القول بالمغامرة، فإن كتابة القصيدة هي مغامرة من الطرفين، فالشاعر حينما يلتقط الأفكار تتفاعل في دواخله فيندفع هذا الداخل إلى الوجود حاملاً معه القصيدة. ويعتمد الأمر هنا بالدرجة الأولى على ثقافة الشاعر، فالأفكار تجوب في الفضاء وكأنها «أيونات» يلتقطها هذا الشاعر أو ذاك، وكل واحد منهم يكتبها في النهاية بما يعتمل في داخله من ثقافة ولغة ومفردات. لذلك أحياناً يقع الحافر على الحافر. فكتابة القصيدة إذًا، هي بدون شك مغامرة يدخلها الشاعر دون أن يدري، لكنها أجمل مغامرة وأجمل تجربة يعيشها الشاعر، وقد عبرت عنها في قصيدة كتبتها اسمها «القصيدة» وفيها:
ما بينَ مائِكِ والقَصِيْدَةِ
وارْتِحَالِ الحَرْفِ منْ عَيْنَيْكِ لي
هَذا اْنشِطارُ الآهِ كي أجْلُو السِّتارْ
قَدَرٌ يُسَطِّرُ، والهَوى يُدْمي مُرِيْدَهْ
يَتَسْربَلْ المعنى بأقْنِعَةِ الحُرُوْفِ
كأنَّها ما بينَ آهاتي وأرْصِفَةِ الغُيُوبْ
قَوْسٌ مِنَ الأحْلامِ بَعْثَرَنِي على أفُقِ التَّجَلّي
هَائمًا أجْري كمَا تَجْري الطَّريدَهْ
تَعْدُو على جَمْرِ الدُّرُوْبْ ..
تَعْدُو ولا تَدْرِي تُحَلِّقُ
أمْ تُعَرْبِدُ
أمْ تُغَرِّدُ خَلْفَ أُحْجِيَةِ المَدَارْ.
- إرث القصيبي سيعمر طويلاً.
- العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.
* «القصيبي ولد وفي فمه بيت من الشعر» أبا يارا من الشعراء الذين عرفوا الشعر وأدركوا قديسته» «خوجة» كان تصريحكم بسماح نتاج وتراث تلكم القامة القصيبي قد أنصفه وأعاد له أهلية تربعه على رفوف المكاتب وهذا أمر لا بد منه لمن يعي زخم هذا الإرث الكبير ويغار على نتاج المبدعين أمثاله. دعني يا معالينا أطرح سؤالًا مفصليًا في ظل ثورة الإعلام الرقمي هل ثمة رؤية ممنهجة تخاتل طرائقية اجترار نفس العملة المهترئة وتسك عملة ذات منعة ومناعة ضمن سقف مشروط يجاوز التوهيمات ليستقر في كلية الرؤية الحقة لا تفسيراتها؟
- أولًا، إن أعمال وإنجازات الراحل والصديق الكبير الدكتور غازي القصيبي هي التي تنصفه، ولا يحتاج إلى إنصاف من أي أحد كان، فالرجل كان نسيجاً وحده وفيه سمات العبقرية الفكرية الشاملة، من خلال ثقافته الموسوعية وإبداعاته العميقة في الرواية والسيرة الذاتية والمقالة والقصة والشعر، إلى جانب فن الكتابة في شؤون الإدارة والتوثيق للأحداث في قالب أدبي. ولا خوف على إرث القصيبي وإنتاجاته التي أرى أنها ستعمر طويلاً، وستقرأها أجيال قادمة، وسيظل الرجل معلمة من معالم المملكة ثقافيًا وفكريًا وأدبيًا وإداريًا كوزير من أنجح الوزراء.
أما حديثك عن رؤية ممنهجة في ظل ثورة الإعلام الرقمي، لتفادي اجترار نفس العملة المهترئة، فأقول لك باختصار شديد: إن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.
- الأندية الأدبية تواجه منافسة شرسة
- يجب على المثقف أن لا يكون اتكالياً
* تسنمتم هرم الثقافة وترجلتم عنها ولم يزل حال المؤسسة الثقافية التي تشرئب لها طموحات المثقفين وترسم للمبدعين أحلام اتهاج نتاجهم الأدبي «الأندية الأدبية» تسير بعطاء دون المأمول في بعض مناطق المملكة وترزح تحت وطأة صراعات وبيوقراطية رؤساء وجمود في الأداء ولائحة ولائحتين وما زالت رياح الجدل الصرصرية وغيوم الإحباط هما القبيلتين اللتان لم تشأ مبارحة هذا المنبر هل لنا بأيد نجيعة تنشلنا من وباء هذا التصنم صدقًا ليهنأ المثقفين في بيوتهم الكونية ثم يفرغوا إليها؟
- الأندية الأدبية في المملكة كان لها ولا يزال، دور هام في إثراء الحياة الثقافية بأهدافها الطموحة عبر احتضان ورعاية الأدباء بل وتفريخهم، وتشجيع الحراك الأدبي والثقافي في شتى أرجاء المملكة. وإذا كانت هناك بعض العثرات في مسار هذه التجربة الرائدة على صعيد الوطن العربي، فلا ينبغي أن يثنينا ذلك عن دعمها ومؤازرتها لمواصلة دورها النبيل في دعم الحركة الأدبية وتشجيع الأدباء الشباب على ولوج المعترك الثقافي.
واعتقد أن القائمين على هذه الأندية الأدبية مطالبون بتطوير وسائل عملهم للرفع من مستوى الاستقطاب لهذه الأندية وتوسيع أنشطتها، ذلك أنها تواجه منافسة شرسة مع مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية والإلكترونية المتعددة التي جعلت من الفضاء الأسفيري أندية ثقافية وأدبية مفتوحة تأتيك في عمق دارك، بل تحملها على راحة يدك في هاتفك الجوال.
إن للمثقف دورًا كبيرًا بدون شك، وكما تعرفون فقد كانت وجهة نظري دائمًا، حين ارتبطت الثقافة بالإعلام، هي أن الأمر يعيق الاثنين، وقد صرحت بذلك مراراً، وكنت أحلم بأن تكون للثقافة هيئتها أو وزارتها، وقد حدث هذا، ليس لكي تكون هذه الهيئة وصية على المثقفين، وإنما لتكون حاضنة لهم من أجل مساعدتهم وتهيئ المناخ الملائم لهم من أجل الإبداع في جميع الإنتاجات الثقافة الإنسانية. وحتى لو تم ذلك، فالثقافة ليست عليها وصاية، وإنما المثقف يجب أن يتمتع بفضاء حر ينطلق فيه وهو يعرف بذاته سقف حريته وحدودها. فالمبدع إذا شعر أن هناك قيودًا عليه أو رقابة من أي نوع أو من أي جهة، فمعنى ذلك قتل إبداعه وإنهاء تجربته الخاصة. واعتقد أن الأمر دقيق جدًا بين الدور الذي يجب أن تقوم به الهيئة العليا للثقافة أو الوزارة، وبين المبدع، بحيث لا ينبغي أن يكون هناك أي تصادم من أي نوع، حتى نسمح للزهور بأن تتفتح في مناخ صحي، وأن تتنفس هواءً نقياً وأكسجيناً صافياً، وتنال حريتها بنفسها وتمنحنا ألوانها الجميلة التي لا حصر لها. ويجب على المثقف أن لا يكون اتكالياً، فحينما دعوت لانتخابات حرة في مجالس الإدارة ألقيت بكل المسؤولية على المثقفين في جميع أرجاء المملكة. ولم تسع الوزارة للتدخل، إذ كنت أرفض تدخلها في الانتخابات أو في اختيار الأعضاء أو مجالس الإدارة من أجل ضمان استقلاليتها، واحترامًا لرؤيتي الخاصة بأن المثقف هو ابن الوطن والبيئة والكيان، لكن دعنا نجعله أن يستنشق الهواء الصالح، ويتمتع بالحرية حتى تنبت إبداعاته معافاة وسليمة.
- إعلامنا لم يشف الغليل
* كان لمئات الآلاف من المبتعثين والمبتعثات من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث ملامح مشرقة تعكس الوجه الحضاري والفكري والعلمي لبعضهم الذي أبهر بعض الجامعات في الدول الغربية في المقابل قدّم هؤلاء المخترعون والمبتكرون والباحثون من خلال وسائل إعلام غربية في ظل قصور شبه تام لا يتجاوز تشيير لخبر أو درع تكريم من جهتنا هذه المعادلة غير العادلة ألقت بظلالها على نفوس هؤلاء السعوديين في الخارج بنوع من عدم الاحتفاء من مؤسساتهم الأم! أين كانت تختبئ حناجر إعلامنا وقنواتنا المرئية والمسموعة في احتواء مثل هذه الإنجازات النوعية والرائدة؟
- أعتقد أن وسائل الإعلام المحلية، المقروءة والمسموعة والمرئية، تحاول قدر المستطاع أن تواكب إنجازات المبتعثين من أبناء المملكة الذين نبغوا خارج أرض الوطن سواء كطلاب أكاديميين أو كباحثين تفوقوا في مجال الابتكارات والاختراعات العلمية المختلفة. واتفق معك بأن مجرد خبر عابر هناك أو هناك عن هذا الإنجاز أو ذاك، لا يشفى الغليل، بل ينبغي متابعة مسار هؤلاء النوابغ السعوديين الذين أثبتوا جدارتهم في مجالات نوعية ورائدة، وتسليط الضوء على مآلاتهم وكيف يستفيد الوطن من قدراتهم. وهذه بالطبع مسؤولية كبيرة يجب على وسائل الإعلام أن تضطلع بها لأنها من صميم واجباتها وتدخل ضمن الأدوار المنوطة بها لخدمة الوطن وتشجيع أبنائه ودعم طموحاتهم المشروعة.
* خوجة قد خط بأنامله عبرات وعبارات سلوان وعزاء لأدباء ومثقفين قد خطفتهم يد المنون واعتبر الفراغ الذي خلفوه لنا وللمشهد الثقافي بالأسى المرير هل للغة الشجن الغائر في كينونة الشاعر الأديب هي الوقد لتلكم المواساة أم بدافعية وجودكم السابق كهرم ورمز للثقافة والإعلام استلزم مسيرة حمل المسؤولية والمشاركة من خلال حسابكم الشخصي في تويتر؟ وهل يمكن لحامل مشعل الثقافة وأبيها الروحي «خوجة» بأن يذكر لنا أبرز من رحلوا ولم تزل عويل فضاءاتهم تئن وتنتحب في الأرجاء توقًا لمعاقرة شهدهم دون هجوع أو همود ؟
- عندما يُصاب أخ لي أو صديق أو زميل، أو أحد أعلام المملكة أو مبدعيها، بعارض صحي أو يبتلى بمرض عضال لا قدّر الله، أو ينتقل إلى رحمة الله، وهذا سبيل الأولين والآخرين وكلنا ماضون في هذا الطريق، لا شك أنه ينتابني شعور أليم، وتأخذني دوامة الفراق والحزن والأسى، وهي التي تصاحبنا في رحلة حياتنا من المبتدى إلى المنتهى. ولولا الإيمان بالله عزَّ وجلَّ والتسليم بقضائه، لكنا نعيش حياتنا فريسة للأسى والأحزان، لكن من فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه علينا أن متعنا بنعمة التأسي والسلوان.
إن أولئك الأعلام والمبدعين وحملة الأقلام النبيلة، من حقهم علينا، بل من واجبنا أن نذكرهم وأن نذكر إبداعاتهم، فإذا نسينا ذلك في حياتهم، فينبغي ألا ننسى وقد فارقونا إلى دار البقاء. لكن يجب علينا ألا ننسى ويجب علينا أن نكرم من يستحقون التكريم وهم أحياء والاحتفاء بهم وبإنجازاتهم.
- ثقافة المشافهة قنبلة هيروشيمية!
* بعد انطفاء وهج الشعر الفصيح وخفوت مستوى الرواية لمع كُتاب السير الذاتية وظهرت بعض من بوادرها عبر برنامج «السناب شات» فالبعض قد عمد لتدوين مسيرة حياته ومنعطفات مراحله شفهيًا ومن ثم تحويلها إلى عمل كتابي ، بغض النظر عن السناب شات وإقناعك بدخوله وعرض مسيرتكم الحافلة المترعة بكل ألوان الألق والاستثناء ألا تفكر بكتابة كتاب يضم هذه التجربة العملاقة أيها الابن البار لوطنك علُّ الجيل يستنير بحروفكم ويسلك سبيل الخلاص والارتقاء؟
- قد لا أميط اللثام عن سر حين أؤكد لك أنني أهتم بتدوين الكثير من الأحداث التي مررت بها والتي عايشتها في حياتي المهنية وما زلت شاهدًا على حدوث الجديد منها. وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لوضع مذكراتي بين دفتي كتاب، وخصوصاً أن هناك الكثير الذي يمكن أن يُقال من خلال ما أتاحه لي عملي أستاذاً جامعياً ووكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام وسفيراً لخمس مرات ووزيراً للثقافة والإعلام، من فرص الالتقاء بأصحاب الجلالة والسمو والفخامة الملوك والأمراء والرؤساء والعديد من الشخصيات السعودية والعربية العالمية الهامة. كما أنني أريد أن أعطي المثال للقطع مع ثقافة المشافهة التي تعم في مجتمعنا، فتضيع بذلك علينا فرصة التوثيق للأحداث وكتابة التاريخ من وجهة نظر شخصية. فكم من رجال عاشوا أحداثًا تاريخية هامة، بل منهم من ساهم في صناعة التاريخ، لكنهم رحلوا دون أن يسجلوا مذكراتهم، فدفنت معهم العديد من الخفايا والأسرار، التي كان يمكن أن تفيد معرفتها في كشف بعض الجوانب الخبيئة للأحداث.