د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
قرر وزير التعليم إنشاء مركز وطني لتعليم اللغة العربية، وكل ما أنشئ في بلادنا من مدارس ومعاهد ومراكز وجامعات هي وطنية إن شاء الله، ولم ينشأ هذا المركز لأن الوزارة أحست أهمية اللغة العربية وأحست الخطر المحدق بها منذ سنوات طوال بل ليكون هذا مبادرة من مبادرات التحول الوطني، وأما مهمات المركز الجليلة فهي مهمات كبيرة؛ ولكنها ليست جديدة، فهي مهمات وزارة التعليم في المقام الأول؛ فتعزيز الهوية اللغوية والبحث عن أفضل طرق التدريس وطرق تقويم الطلاب وتدريب المعلمين كل أولئك من صميم عمل الوزارة التي لم تستطع ولا أحسبها تستطيع أن تكفل للتعليم ما يقتضيه من الوسائل والكوادر التعليمية الماهرة، إذ كيف يمكن لها أن تفعل والفصول مكتظة بالطلاب، والمعلم مرهق بكثرة الدروس، وأمور التدريب مكلفة بها الأسرة وكأنها ليست من مهمات المدرسة.
إنّ تعزيز الهوية اللغوية والنهوض بتعليم العربية هو بحاجة إلى سياسة لغوية أكبر من المراكز والمعاهد، إنها بحاجة إلى جعل اللغة في نصابها، أي تعريب لغة العمل، والكف عن استعمال اللغة الأجنبية في مستشفياتنا وفي مطاراتنا وفي الشركات العاملة في بلادنا، بل في تعليمنا بعض العلوم في جامعاتنا، منع دخول السعوديين المدارس الأجنبية التي أحالت صغارنا إلى أعاجم في بيئتهم العربية.
إن لم يكن لتعلم العربية هدف ملموس في حياة الناس اليومية فلن تجد الإقبال ولا الرغبة فيها، ولن ينفعها بعد ذلك مركز هنا أو هناك، وإن لم تحترم المؤسسات نفسُها وأجهزة الدولة وجامعاتها السلامة اللغوية فلن يجدي المركز ولن يفلح، إذ يصدمك ما تعج به قرارات تلك الأجهزة وخطاباتها ومراسلاتها من أخطاء لغوية مردها إلى التهاون وقلة المراجعة. ولا نجد هذه المؤسسات عينت خبراء لغويّين أو مصححين تعرض عليهم الكتب والقرارات والمراسلات قبل نشرها وإظهارها إلى الناس.
ويحتاج هذا المركز المؤسس إلى عدد من الخبراء ليفوا بخطته الطموح؛ ولكن كيف هذا والوزير نفسه بعث منذ أيام ببرقية هذا نصها «أُشير إلى خطاب صاحب المعالي وزير المالية رقم... وتاريخ... والْمُشار فيه إلى الظروف المالية للميزانية العامة للدولة، والأوامر السامية والقرارات والتعليمات الصادرة بشأنها، وطلب معاليه إعادة النظر في توزيع الحِصص التدريسية الْمُقَرَّرَة لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس لضمان التوقف عن الاستعانة بالمتعاونين، وإيقاف الساعات الزائدة، والتقيد بذلك بدءًا من العام الدراسي 1437 / 1438هـ. لذا نأمل الاطلاع والعمل بموجبه».
أليس هذا معرقلًا مسيرة التعليم كلها بل المركز المنشأ الآن. إن التعليم السليم كالصحة السليمة يحتاج إلى نفقات تفي بمقتضياته حق الوفاء. ومتى جعلت اللغة وسلامتها واستعمالها في الحياة هدفًا سهلت مهمة تعليمها، وأقبل عليها المريدون بما تستحقه من إقبال، أكانت العربية لغة العالم في يوم من الأيام الماضية لأن أساليبها حديثة ومبتكرة ومدججة بأجهزة لها أول وليس لها آخر، كلا كانت تتلقى شفاهًا وتتلقن حفظًا وأدواتها محبرة وأقلام وطروس يسيرة؛ ولكن أجدادنا علموا العالم بها، ونقلوا تراث الإنسانية وحفظوه وبلغوه بما أفعموه من ألوان التطوير والتعميق، كانت اللغة في ذلك اليوم ذات وظيفة حاكمة فكانت هي المركز الذي لا يحتاج إلى مركز.