فيصل أكرم
أتشبثُ منذ الفترة التي أحسبها أخيرة بالتأمّل في إيجابيات الحياة، وأحاول التخلي عن النظر في السلبيات أياً كان مصدرها، وأزعم أنني لن أعدم النجاح بإذن الله.. ولأنني أقيم خارج المملكة وأجيء إلى الرياض في فترات قصيرة تشبه الزيارات، فلقد تعمّدتُ إطالة زيارتي الأخيرة وتأجيل رحلتي حين علمتُ بتاريخ انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس في الرياض نهاية شهر نوفمبر الماضي، وكانت قد عصفت بمواقع التواصل الإلكتروني موجات هائجة من الانتقادات وصلت في بعضها إلى حد تبادل التهم حول ماذا؟ حول توزيع الدعوات على الأدباء من أجل حضور مؤتمر الأدباء!
والله ابتسمتُ كثيراً، وكنتُ عازماً على الحضور وصلتني دعوة أو لم تصل – سيّان – غير أنها وصلت لي ست مرّات من ستة أشخاص (أو أصدقاء أو زملاء) لهم علاقة بالمؤتمر وتنظيماته، والغريب الذي يعرفه كلّ من يحضر مثل هذه المؤتمرات وفعالياتها أن الدخول والحضور وحتى المشاركة أو الاستمتاع برؤية أصدقاء لم ترهم منذ زمن، لا يحتاج إلى (دعوة).. وأنه – أي المؤتمر – لم يوجد من أجل منظميه وضيوفهم فقط، بل هو للأدباء عموماً فمن كان أديباً يشعر أن المؤتمر يعنيه أو يهمه في شيء منه ويجد في نفسه الرغبة بالحضور فليحضر؛ هكذا بكل بساطة إيجابية مريحة صرتُ أتعامل مع مثل هذه المناسبات، وبالبساطة نفسها حضرتُ كعادتي في زيارة واحدة اعتدتُ على عدم تكرارها حتى في معارض الكتب.. زيارة واحدة قد أقضي اليوم كله فيها أصافح من أجدهم من الأصدقاء ونتكلم ونضحك ونعيش وقتاً جميلاً قد لا يتكرر إلا في مناسبة مماثلة بعد سنوات وقد لا يتاح لكثيرين منا الحضور ربما لأسباب لا يعلمها إلا عالم الغيب والشهادة.
سأحاول اختصار ما وجدته يستحق الكتابة، لأنه كان بمثابة المفاجأة المبهجة أثناء حضوري فعاليات اليوم الذي زرت فيه المؤتمر، وكان لحسن حظي – وبدون تعمّد مني – هو يوم الثلاثاء المنعقد فيه أكثر من أمسية شعرية، سأتوقف عند شيء منها إعجاباً:
قالت الشاعرة د. بديعة كشغري في إحدى قصائدها بإلقائها الذي يشبه قصيدتها تماماً، وهو التشابه الذي يؤكد خصوصية تعادل البصمة:
(.. وإنى اغتربتُ
طويلاً
وحيثُ اغتربتُ
تكونين أنتِ
عذابي غرامُكِ
يا شامخاتِ الجبالِ
امتشاقي عذابُكِ
رغمَ المحالِ..)
واستمعتُ كذلك في الأمسية لعدد من الشعراء: حسن الزهراني، محمد يعقوب، هيفاء الجبري، أحمد اللهيب، جاسم عساكر، سلطان السبهان.. وربما غيرهم، وكلهم شعراء على درجة عالية من الإتقان الشعريّ الذي حقّ لنا أن نفخر به في زمن أصبح فيه الشعر الحقيقيّ نادر الوجود في معظم الدول العربية الحافلة بالمؤتمرات والمهرجان والملتقيات الشعرية التي يكثر فيها كل شيء إلا الشعر.. فهو يكاد يختفي لولا عددٌ قليلٌ من شعراء أحسب أننا في طليعتهم الآن بهذه النماذج التي كانت في تلك الأمسية.. فشكراً مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس، وليكن كلامي هنا مجرد شكر ينأى عن كل انتقاد لا أحبه كحبي للشكر والتقدير.