السلطة بكل ألوانها هي سيطرة فرد أو فئة على المجموع، وبالتالي من المستحيل أن تكون السلطة ديمقراطية. وتصنيف السلطات بأنها ديمقراطية أو ليبرالية أو محافظة أو ذات خصوصية أو غير ذلك، هو كذب بحت يراد منه ذر الرماد في العيون والتعمية على وعي الجماهير الشعبية، كي يتسنى للمافيا الرأسمالية تمرير مشروعاتها والاحتفاظ بالسلطة.
لو طبقت الديمقراطية في أي مكان من هذا العالم لأصبحت السلطة غير ذات جدوى، لأن الديمقراطية -كما نادى بها رواد عصر النهضة- هي إنهاء هيمنة فرد أو فئة على مقدرات المجتمع كله، وبالتالي لن يبق فئات متسلطة وأخرى مقهورة، ولا توجد ضرورة لأداة قمعية اسمها (سلطة).
عدم وجود سلطة لا يعني عدم وجود دولة! فالمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمعرفية وغيرها، هي مؤسسات سلطة منذ بزوغ فجر الحضارة حتى عصرنا الحالي، الذي نادى به رواد النهضة هو أن تصبح تلك المؤسسات، مؤسسات دولة وليست مؤسسات سلطة.
هذا النداء النهضوي لم يكن من أجل إطلاق يد الرأسمال كي يتخلص من الإقطاع ويعيث فساداً في المجتمع لهثاً وراء الربح الدموي، إنما من أجل وضع الآليات للجم الاستغلال.
لم يكن رواد النهضة مدركين أنهم وضعوا -بهذا النداء- الحجر الأساس لتقويض الاستغلال، ولم يدركوا كذلك أن المولود الجديد الذي يدعى (العامل الصناعي) ليس من مصلحته مستقبلاً أن يستبدل نظام استغلالي بآخر، لأنه لا وجود لذلك الآخر الذي يزيح النظام الرأسمالي ويكون أرقى إنتاجية للثروة منه إلا نظام لا يُبْنى على الاستغلال.
الدولة هي المجتمع بتاريخه وجغرافيته ومؤسساته وحدوده السياسية وعلاقاته بمحيطه الإقليمي والدولي.
أما السلطة فهي أداة قمعية بيد فئة قليلة مهيمنة على غالبية فئات المجتمع، والخلط بين هذين المفهومين لم يأتِ بسبب عجزنا عن الفهم، إنما سعت السلطات الاستغلالية وخاصة الرأسمالية، عبر التاريخ لتثبيت هذا الخلط في أذهاننا، كي نكف عن محاسبة السلطة السياسية وكأنه (تابو) أو إثم.
العولمة هي الطريق لتقويض الاستغلال الواقع على الغالبية الاجتماعية، والواقع على الشعوب.
- د.عادل العلي