ياسر صالح البهيجان
عندما تخلو أي منظومة من القيم الضابطة لآليّات إنتاجها فإنها تقع في مستنقع التيه وفقدان الهويّة، وتستحيل من نعمة اجتماعيّة وفكريّة تدفع إلى التقدّم والازدهار إلى نقمة تكتوي بلهيبها الأمم وتسود في أزقتها الفوضى، حتى يصبح الجهل علمًا، والشائعة خبرًا موثوقًا، والأقوال المكذوبة صدقًا لا يقبل المساءلة أو الجدال.
ما يدفعنا للحديث عن القيم الإخباريّة على وجه التحديد، هو تزايد منصّات الأخبار سواء في شبكات التواصل الاجتماعي أو في فضاء الإنترنت عمومًا، والتي في معظمها لا تتكئ على خبرات مهنيّة أو قيم أخلاقيّة تجعل منها جهات تستحق الموثوقيّة في ظل بحث أصحابها عن الأضواء الخادعة عبر نشر أنباء يجانبها الصواب وتجدّف عكس تيار المصلحة الوطنيّة.
يقول اللورد نورث كيلف «الخبر هو ما يريد شخص ما في مكان ما حجبه، وكل ما عدا ذلك مجرد إعلان»، قد تبدو مقولة اللورد مضللة بعض الشيء، وإقصائية أيضًا، لكنها ثوريّة في الآن ذاته وتفرض في مضمونها مبدأ تحرّي الدقّة في مسألة ما يُنشر، وتشير كذلك إلى جزء من القيم الخبريّة التي تؤكد ضرورة أن يكشف الخبر عن شيء يُراد له أن يبقى مستترًا، كما أنها لا تعني الكشف عن قضايا لم تكن أصلاً موجودة، والأخيرة معضلة تواجهها معظم المنصّات الإخباريّة الجديدة.
القيم الإخبارية كانت ولا تزال موضع جدل لدى المتخصصين في المجال الإعلامي، وابتدأ النقاش حولها منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وطُرح تساؤل حول آليّة اختيار الحدث للنشر من بين مئات الأحداث، وتطوّر النقاش إلى بحث تطبيقي أجراه (توبيا بويسر) على الصحف الألمانية عام 1690، وحدد من خلالها جملة من الأنباء الجديرة بالنشر كأخبار الفيضانات والكوارث والعواصف المدمرة والابتكارات العلمية وتغيّر الحكومات.
وواجه (بويسر) نقدًا لاذعًا في تقسيمه للقيم الإخبارية رغم أن أفكاره أسهمت في تطوّر العمل الصحفي والإعلامي، إلا أن الرؤى تجاه القيم بدأت تتبلور بدقّة مع الألماني (كاسبر ستيلر) الذي حددها بخمس عوامل هي الجِدة والطرافة، وقرب المكان، والأهمية، والتأثير، والسلبيّة، وتلاه في تعميق المسألة الصحافي الأمريكي (وولتر ليبمان) الذي أضاف لتلك القيم وضوح الحدث، والغرابة، والصراع.
الإشارة إلى القيم الإخباريّة في هذا التوقيت تمثل ضرورة للعاملين في المعترك الصحفي لإدراك مدى التعقيدات التي تحفل بها مهمتهم الإعلامي، وكذلك هي ضرورة للقرّاء من أجل التمييز بين الجهات الإخباريّة الرصينة وغيرها من المنصّات المزيّفة، ويبقى لوسائل الإعلام والاتصال دور بارز في تغيير ذهنيّة المجتمعات والتأثير في سلوكيّات الرأي العام، وبات واقع الصحف في أي مجتمع مؤشرًا على تقدّمه أو تخلّفه، وعادة ما يتجه دارسو الثقافات الإنسانيّة إلى قراءة ما تنشره الصحافة لمعرفة مدى ازدهار مجتمع ما فكريًا وحضاريًا وعلميًا وأخلاقيًا.