د. عبدالحق عزوزي
أدى رئيس وزراء البرتغال الأسبق أنطونيو غوتيريش اليمين قبيل أيام ليصبح الأمين العام التاسع للأمم المتحدة، واضعاً يده على نسخة من ميثاق المنظمة الدولية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة. وسيحل غوتيريش (67 عاماً) محل الكوري الجنوبي بان جي مون (72 عاماً) في الأول من يناير كانون الثاني. ويتنحى بان عن منصبه في نهاية 2016 بعدما قضى فترتي ولاية تبلغ كل منهما خمس سنوات. وكان غوتيريش رئيس وزراء البرتغال بين عامي 1995 و2002 ثم شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بين عامي 2005 و2015.
سيجد الأمين العام للأمم المتحدة على طاولته المئات بل الآلاف من المشاكل المستعصية، وسيجد صراعات لا متناهية على النفوذ في العالم بين الدول القوية، وعلى رأسها سوريا والعراق وأوروبا الشرقية وغيرها... هي مشاكل لا يمكن تفاديها ولا حلها ولو كان الجالس على كرسي الأمم المتحدة عبقري زمانه... لأن طريقة عمل الأمم المتحدة هي من ميراث الحرب العالمية الثانية، والنظام العالمي يتغير يوماً بعد يوم، ويستحيل عليه أن يوسم بالاستقرار مع طبيعة النظام في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وطبيعة مكونات الفاعلين القدامى والجدد في العلاقات الدولية المعاصرة، بمعنى أن القرارات التي ستؤخذ هي قرارات لن تخرج قيد أنملة عما ألفه العالم من هاته المنظمة العالمية. السؤال الذي يطرح: ما العمل؟ وبالضبط هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة؟
إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين في العلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة الدولية. فهاته المنظمة الأممية أنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها، بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
عند تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، كانت هناك فقط 51 دولة عضوة، أما اليوم فهذا العدد يتعدى المائتين، بمعنى أن الأمم المتحدة هي اليوم منظمة عالمية بامتياز، وكان حري بميثاقها أن يتطور تبعاً للمستجدات التاريخية كنهاية الحرب الباردة بين العملاقين النوويين، الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وكتوزيع جديد لمفهوم القوة على الصعيد الدولي، لم تعهده البشرية من قبل.
وهذا الكلام يعني أن التركيبة الحالية لمجلس الأمن وأن مبدأ حق النقض «الفيتو» المتوفر لدى خمس دول لم يعودا مستساغين. فما ذنب الشعب السوري الذي استعمل في حقه السلاح الكيميائي المحرم دولياً وعالمياً وإنسانياً وأخلاقياً وتأتي دولة ذات العضوية الدائمة فتشهر ورقة الفيتو ضد أي تدخل؟!!.. وما ذنب الفلسطينيين الذين تستعمل ضدهم الولايات المتحدة الأمريكية المئات من الفيتوات كلما تعلق الأمر بمذبحة إسرائيلية أو إدانة لإسرائيل؟!! ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة». بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. فلا أخال دولة من الدول الخمسة الدائمة العضوية مستعدة لترك كرسيها لدولة أخرى مهما كان الثمن. ثم إن الدول البارزة التي تطالب منذ وقت بعيد بعضوية دائمة داخل مجلس الأمن (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل، ودول أخرى) غالبا ما تتبعها ترشيحات مشروعة من دول أخرى: فترشح الهند، يثير باسم التساؤل التالي (لماذا لا أكون أنا مكانها؟) ترشح باكستان؛ كما أن ترشح دولة المانيا يثير لعاب إيطاليا وترشح اليابان غضب الصين. فالمزايدات ونوعية النظام الدولي تجعل كل المقترحات صعبة التحقيق، زد على ذلك ما يحكيه الدبلوماسيون المتمرسون داخل أروقة الأمم المتحدة من تواجد بيروقراطية أممية يتدخل فيها فاعلون كثر من موظفين دوليين ودبلوماسيين وسياسيين ورؤساء جماعات الضغط ومنظمات غير حكومية ومستثمرون عالميون ووسطاء من كل جانب، وللحديث بقية.