د. عبدالرحمن الشلاش
ميّز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل على سائر مخلوقاته كي يفكر ويتدبر ويرتقي بإِنسانيته عن الحيوانات التي لا تملك العقل فلا تعي ولا تدرك وإنما تساق دون حول منها ولا قوة. العقل نعمة ومن يفقده يهبط إلى مستوى البهيمة قال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} فهم في مرتبة دونية تصل لمرتبة البهائم. ليس المقصود الصم البكم العضوي وإنما الأشخاص الذين لا يريدون سماع الحقيقة، وإن سمعوها لا يعترفون بها بألسنتهم. آذانهم تستعد فقط لسماع الأباطيل لذلك هي صماء عن أصوات الحق، وألسنتهم تستخدم في بث الأكاذيب والأراجيف لذلك فهم بكم أقرب إلى البهائم.
بالرغم من أن الدين الإسلامي أعطى للعقل مكانته في منظومة مصادر المعرفة يستخدمه في التفكر والتدبر والحكم على الأشياء والمقارنة والملاحظة إلا أن بعض الجماعات التي تعمل بتوجهات تحت ستار الدين تسعى بشتى الطرق لاغتيال العقل هذه الهبة الربانية لإدراكهم أن تجنيد الأفراد في صفوفهم لا يمكن أن يتم في ظل وجود العقل.
من يستخدم عقله في ضوء تعاليم دينه وما اكتسبه من معارف إنسانية لن يرضى لنفسه أن يشذ عن الفطرة السوية وعن المنهج المستقيم وعن مجتمعه ليرتمي في أحضان جماعات تقدم له الوهم على أنه حقيقة ثابتة، والجنة كأن مفاتيحها بأيديهم يهبونها لمن يشاءون. لا يمكن أن يصدق إنسان سوي بأن من يفجر بنفسه بكامل قواه العقلية أنه في تلك اللحظة قد فقد عقله تمامًا. لكن السؤال أين ذهب هذا العقل؟ الإجابة بالتأكيد لن تكون من نسخة تلك الإجابات المكررة بأن عقله قد غسل أو اختطف لأننا لو قبلنا بهذه الفرضيات فهذا يعني أن هؤلاء مازالوا يملكون عقولاً يمكنها أن تعمل وهذا لن يرضاه من يسيرهم لبلوغ أهدافه ومآربه فهو يريدهم أجساداً تتحرك كالقطيع دون عقول لذلك يسعى لاغتيال العقول وقتلها كي يتسنى له تجنيد أجساد بلا عقول يسهل توجيهها إلى أي هدف لذلك شاهدنا كيف قتل الأبناء أمهم في حادثة معروفة صدمت المجتمع، وقتل أحد هؤلاء الذين يتحركون دون عقول خاله، ومن قتل ابن عمه في حوادث تدل على المنهجية التي تعمل بها الجماعات الإرهابية داخليًا وخارجيًا.
تمكن هؤلاء من اغتيال عقول في حقيقتها هشة بسبب ضعف التعليم الذي لا يقدم برامج تصنع العقول المستنيرة. وتأسيس عبر كل المؤسسات يعتمد على الحفظ والتلقين، وما لم يتم تدارك الأخطاء المذكورة فستكون العقول الباقية في خطر محدق!