الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نهى الإسلام عن كل ما يحصل به النيْل من حرمات المسلمين، أو التجنّي على أعراضهم، ومن محاسن هذا الدين صيانته لأعراض المسلمين والمسلمات وحفظه لها ونهيه الشديد عن انتهاكها أو الإساءة إليها أو التعدّي عليها بأيّ نوعٍ من أنواع الاعتداء.
وأجمعت النصوص من الكتاب والسنة على حرمة عرض المسلم، ولكن مما يؤسف له انتشار هذه الآفات الكبرى في المجتمعات المسلمة حيث دبّت فيه بالنيْل من أعراض المسلمين والمسلمات دون استناد إلى برهان قاطع، ومما زاد من انتشارها في عصرنا الحاضر تنوّع الوسائل وتعددها حيث أسهمت وسائل الإعلام والاتصال الجديد بنشر الشر وتعميمه عن طريق السفهاء والجبناء. مما يستوجب المعالجة السريعة من جهات الاختصاص لتحجيم المشكلة والحد منها.
«الجزيرة» استضافت عدداً من أهل الرأي في تخصصات علمية متنوعة ليتحدّثوا عن تلك المعضلة.. فماذا قالوا؟!
سلوكٌ مَرضيٌ
يرى الدكتور إبراهيم بن سليمان الهويمل وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً أسباب هذا السلوك المرَضي أنها تتلخص في عدم الخوف من الله - عز وجل - الذي نهانا عن الوقوع في أعراض الناس في قوله - عز وجل -: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (الحجرات: 12)، والمتأمل لهذا النهي ولهذا الوصف ولهذا النداء (يا أيها الذين آمنوا) لا يسعه إلا الامتثال التام والوقوف عند حدود الله، فيحمله هذا النداء وهذا النهي وهذا الوصف على الخوف من الله، عز وجل.
ومن الأسباب أيضاً: عدم تصور الموقف يوم القيامة والحساب فيه عندما يأتي الإنسان بأعمال كأمثال الجبال من صلاة وصيام وغيرها من الأعمال الصالحة، ولكنه يأتي وقد وقع في أعراض الناس، فيُؤخذ من حسناته وتعطى إياهم، فإن فنيت حسناته أُخِذَ من سيئاتهم ثم طرحت عليه ثم طرح في النار - والعياذ بالله - وهذا هو المفلس، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، يضاف لذلك تزيين الشيطان لهذه الموبقات، وحب التشفي من الآخرين بذكر معايبهم وما فيهم.
وقد يظن ظانٌ أن الوقيعة في أعراض الناس إنما تكون في الغيبة أو النميمة فقط، بل هناك نوع أعظم من ذلك، وهو القذف أي: القذف بالزنى أو باللواط، وقد تساهل بعض الأفراد بذلك، وما أسهل إطلاق الكلمات وإن لم تكن صريحة بهذا، فيقال: فلان صاحب سهرات، وقد يصرح بالقذف، وإن المتأمل في النصوص الشرعية وما جعلت من الشروط في حفظ الأعراض ليصل إلى وجوب صيانتها، وحرص الإسلام على ذلك، وتأمل ما ورد في سورة النور، بل إن الشارع لم يشترط في غير القذف ما اشترطه فيه من التحري والدقة فيما رمى به.
وفي ذلك صيانة للأعراض، بل رتب على من لم يحقق هذه الشروط العقوبة العظيمة من الجَلْدِ وعدم قبول الشهادة والحكم بالفسق.
أما آثارها كما يقول د. الهويمل: فمنها إثارة الحقد والضغينة بين أفراد المجتمع، لذا فالواجب على المسلم حفظ اللسان وشغله بما فيه النفع العظيم لصاحبه، وهو ما يتمثّل في قوله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه أضمن له الجنة» متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم في وصيته لذلك الرجل: «لا يزال لسانك رطباً بذكر الله» رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» متفق عليه.
خطر ديني
ويُؤكّد الدكتور عبد الله بن صالح الحمود الناشط الاجتماعي والمهتم بالشأن العام بأن هذا الداء المتفشي للأسف في كثير من المجالس الخاصة، ما ينذر بخطر ديني على الأشخاص أنفسهم.
وهذا الداء ليس بحديث عهد في أغلب المجتمعات، بل أضحى ظاهرة مقلقة بين ذوي القربى والأصحاب، وهنا تشد الخطورة لأنها تسيء إلى النسيج الاجتماعي، ما يعزز من الفرقة المجتمعية.
وإذا تحدثنا عن الحلول والوقاية والتي ربما تكون نهجاً لعلاج يسهم في الوصول إلى نسبة عالية من درء هذا الداء.
أعتقد أن المجتمع بحاجة إلى التذكير من عواقب هذا الداء الكبير، ولهذا لا بد من الإتيان بنصائح تأخذ الطابعين الديني والاجتماعي، وأن يتأتى هذا من مستشارين شرعيين واجتماعيين ونفسيين، يسهمون في تقديم ما لديهم من أفكار وحلول ذات طابع محبب لقبول ذلك على نفسيات ممن ابتلي بهذا الداء.
وبرنامج الواتس آب، أجزم أنه إحدى القنوات التي يمكن من خلالها أن نطلق مبادرة مدروسة تكون نواة لعلاج هذا الداء.
الصورة الذهنية
ويشير د. مساعد بن عبد الله المحيا أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أنّ الوقوع في أعراض المسلمين جريمة يرتكبها البعض في حق نفسه وفي حق الآخرين فقد حرم الله أن يقول المرء في أخيه ما ليس فيه إذ هو ينتهك عرضه بل جعل حرمة عرضه كحرمة يوم النحر في شهر ذي الحجة في مكة المكرمة حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قلنا: نعم، قال:اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ يبلغه لمن هو أوعى له».
هذا الأمر الخطير يمارسه البعض وكأنه يكتب أو يقول أي شيء دون مبالاة أو اهتمام بل أضحى ذلك يتم عبر منصات التواصل الاجتماعي بإصرارٍ وتعمّد وربما بشيءٍ من التشفّي، إذ إن التخفي خلف معرفات وهمية عبر الشبكات الاجتماعية أو اعتقاد أن الاسم غير واضح يوهم الكثيرين من ضعاف النفوس المتعطشة لإيذاء الناس والاستمتاع بتشويه صورتهم.
كل ذلك بأمل أن ما يقوله لن يكون مسؤولاً عنه. لذا يظل يمارس هوايته في البحث عن معلومات يريد أن يستخدمها في تشويه سمعة فرد أو أسرة لمجرد خلاف شخصي أو حسد لهذا البيت أو ذاك.
في مجتمعاتنا يبدو أن الشبكات الاجتماعية بوصفها المنصات الإعلامية الأكثر جماهيرية وحضوراً أتاحت فرصاً أكبر في انتشار ظاهرة الوقيعة في أعراض الناس؛ وقذفهم بما ليس فيهم. بعض ذلك سببه الرغبة في التشويه وبعضه الرغبة في السبق في نقل الخبر.
وكل ذلك ونحوه يُعد خطورة كبيرة على المجتمع إذ حين ينتشر هذا يفقد عدد من الناس الأمن النفسي والاستقرار وتتعرض الصورة الذهنية لتشويه متعمد خاصة وأن مجتمعاتنا تؤثر فيها كثيراً المعلومة الأولى حين تنتشر.. إذ حتى حينما يتم تصحيح ذلك فإن كثيرين يصعب كثيراً إيصال المعلومة الصحيحة إليهم وقد يصعب تغيير قناعاتهم بعد الخبر الأول وهو ما يعني صعوبة عملية التصحيح.
وهو ما يُسمى بقوة تأثير الخبر الأول وبالتالي فإن من يبث خبراً كاذباً أو معلومة خاطئة فهو سيتحمل وزر ذلك ووزر من نشرها، وسيتعذر عليه لاحقاً أن يقوم بأي تصحيح أو اعتذار، إذ إن عملية التأثير تُعد عملية معقدة بوصفها ذات علاقة بمجموعة من المتغيرات.
ولكي نواجه مثل هذه الظواهر أو المشكلات نحتاج إلى تفعيل عقوبات النشر الإلكتروني وإلى نشر العقوبات التي تصدر بحق من يستحق.
إذ إن تداول نشر هذه العقوبات هو بمثابة فليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، وهنا يتوقع أن يرتدع الكثيرون مع التأكيد على أهمية تناول النخب الدعوية والمثقفة والتربوية لهذه الجوانب وبيان خطورتها عبر مواقعهم وحساباتهم ومن خلال خطب الجمعة، ونحوها من الوسائل التي ينبغي استثمارها في تنبيه الذين يقعون بذلك وتحذرهم وتخوفهم بالله وأنهم بهذا يرتكبون أخطاء فادحة ويسيئون لأعراض مسلمين كان يفترض أن يذبوا عنهم ما يقال فيهم لينالوا أجر ذلك فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة».