لم يتبقَّ سوى ليلة واحدة على تنفيذ حكم الإعدام بذلك المجرم العتيد المسجون في إحدى القلاع العظيمة. وفي تلك الليلة فوجئ السجين بالملك يدخل عليه مع حرسه، وكان هذا الملك يُعرف بأنه صاحب مزاج غريب وأفكار عجيبة، وقال له:
سأمنحك فرصة إن نجحت في استغلالها فسوف تنجو من الإعدام.
تعجب السجين، ورد متحفزًا.. كيف؟
قال له الملك: هناك مخرج في سجنك إن استطعت الوصول إليه فاخرج منه، وسوف أسقط حكم الإعدام عنك، وإن لم تتمكن فإن الحراس سيأتون غدًا مع شروق الشمس لتنفيذ حكم الإعدام.
غادر الملك وحراسه الزنزانة بعد أن فكوا عنه القيود والسلاسل المكبل بها.
هب السجين بعد خروجهم مباشرة محاولاً البحث عن هذا المخرج الذي به سينجو من موت محقق. بدأ يفتش في زنزانته التي كانت تحوي دهاليز وزوايا، ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء، وضع على فتحة كانت مغطاة بسجادة بالية على الأرض، وما إن فتحها حتى وجدها تؤدي إلى سلم، ينزل إلى سرداب سفلي، ويليه درج آخر، يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي؛ ما بث في نفسه الأمل بالنجاة. وجد السجين نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق، والأرض لا يكاد يراها.
عاد أدراجه حزينًا منهكًا، لكنه واثق بأن الملك لا يخدعه. وبينما هو ملقى على الأرض مهمومًا ومنهكًا ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح؛ فقفز، وبدأ يختبر الحجر فوجد أن بالإمكان تحريكه، وما إن أزاحه حتى وجد سردابًا ضيقًا، يكاد لا يتسع للزحف؛ فبدأ يزحف محاولاً الوصول إلى أي مخرج للنجاة. وكلما استمر بالزحف بدأ يسمع صوت خرير للمياه. ولعلمه أن القلعة تطل على نهر بدأ يحس بالأمل ينير طريقه, لكنه في النهاية فوجئ بوجود نافذة مغلقة بالحديد تمكنه من أن يرى النهر من خلالها فقط، ولا يستطيع من خلالها الوصول إليه.
عاد يختبر كل حجر وبقعة في السجن؛ ربما كان فيه مفتاح حجر آخر، لكن كل محاولاته ضاعت سدى، والليل يمضي..
واستمر يحاول.. ويفتش.. وفي كل مرة يتراءى له فرج قريب.. فمرة ينتهي إلى نافذة حديدية، ومرة إلى سرداب طويل ذي تعرجات لا نهاية لها؛ ليجد السرداب قد أعاده للزنزانة نفسها.
وهكذا ظل طوال الليل يلهث في محاولات وبوادر أمل، تلوح له مرة من هنا، ومرة من هناك، وكلها توحي له بادئ الأمر بأن الفرج قريب، لكن محاولاته كلها في النهاية باءت بالفشل.
وأخيرًا انقضت ليلة السجين كلها دون أن يتوصل للمخرج، ولاحت له الشمس من خلال النافذة، ووجد وجه الملك يطل عليه من الباب، ويقول له: أراك ما زلت هنا..
قال السجين كنت أتوقع أنك صادق معي أيها الملك. قال له: لقد كنتُ صادقًا.
سأله السجين: لم أترك بقعة في الجناح لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي قلت لي؟
قال له الملك:
لقد كان المخرج هو باب الزنزانة؛ إذ إنه كان مفتوحًا ولم يغلق!!!
«إن الكثير من البشر - للأسف - تجده يبني العوائق بنفسه، ويضع الحواجز العظيمة، ولا يلتفت إلى ما هو بسيط في حياته.. الحياة سهلة ميسرة لمن سهل الأمور ويسرها، والعكس صحيح».