بمبادرة معهودة من الفنان طه الصبان، وتحت مسمى «سماء أخرى»، يقام حاليا في جاليري نسما آرت, المعرض الجماعي لثلاثة عشر فنانا وفنانة، وهم: طه الصبان، أحمد حسين، سامي المرزوقي، حمدان محارب، عبدالله إدريس، فيصل الخديدي، ماجد المفرح، محمد الخبتي، محمد آل شايع، محمد العبلان، والفنانات حنان الحازمي، فاطمة الدهمش، كادي مطر حيث يأتي هذا المعرض مستحضرا كوامن وإبداعات هؤلاء الفنانين، فربما أن هناك خطاً متناهي الدقة لأوجه التقارب والتشابه بين أعمالهم، لكن ثمة مقاربات متوازية بين أعمال بعضهم تتقاطع وتتقابل وتتناظر، وهي تلك المسافة التي تفصل بين عمل وآخر.
تلك المسافة الفاصلة تمتلئ بالإنسان والصيغ والأبنية البصرية التي تنشئها العين الفاحصة والتي تقيم جسورًا نحو الذائقة الجمالية وفي قراءة عن أعمال الفنانين المشاركين تحدث المشرف على المعرض الفنان عبدالله إدريس:
في الإشارات الموحية للأشكال والشخوص ينجح الفنان القدير طه الصبان في صياغاته لإنشاء الرموز وتخليصها ضمن جسد اللون. هذا الفنان الرائد الذي يتفوق باستمرار في تواجده ابتداءً برموز التراث لحياة المدينة الحجازية القديمة مرورًا بشخوص تراثية وملابسها وجزيئات جمالية أخرى ما يلبث أن يصل لمرحلة تجريدها موزعًا عناصرها في فراغ لوحته.
في هامش التجريد نجد أعمالًا أخرى تستعير الوظيفة الدلالية والعلامات البصرية بأسلوب إيحائي يجرّد اللون والخط وتبني موجوداتها، فأعمال الفنان أحمد حسين هي تبسيطات لتشخيصات وشكل الوجوه وهي تغادر صفاتها المعتادة لتتحقق في صفات غير معتادة في حضور مساحة اللون, وفي المقابل يبني الفنان سامي المرزوقي تكوينات عمله على أثر لوني مخلّصًا المعنى من أي مادي ومحركًا اللون في اتجاه تلقائي في توليفة بنائية ترتكز على القيمة اللونية.
يعود الفنان حمدان محارب الذي كان غائبًا عن الساحة ليقدم في هذا المعرض أعمالًا تتضمن رؤية مختلفة تحمل صفة نقد الواقع المعاش بأدوات استعارية وبرؤية فكرية مبهرة ابتداء من عنايته بالمسميات انتهاء بالخامات المعاد تصنيعها وفق رؤيته لتكون أعماله (هشتاقات... هشاشات ...هاتفات).
الفنان عبدالله إدريس يقدم عمله خارج تجاربه السابقة، لكنه يصطحب بعضاً من جزئيات قدمها فيما سبق، هو الآن ينقب في الهوامش ليكتشف ثمة مساحة لم تكتشف بعد، في عمله الجديد حضور للمساحة أكثر وهذا الغياب للشكل محاولة للوصول لدرجة الصفر عبر الفراغ.
الفنان فيصل الخديدي يقدم مجموعة من أعماله هي امتداد لتجربته السابقة لكنها هنا ملخصة خارج الأشكال الحروفية في قوالب ريليف وجاءت على شكل معلقات غاب الحرف منها وحضرت إيقاعاته وروحانيته.
الفنان ماجد المفرح يستدرجنا نحو رموز موحية تقف على مشارف التجريد وكأنه ينتزع الكلي من الجزئي.
الفنان محمد الخبتي لم يكن يستهدف إنشاء رموز أو إشارات يستعيرها من المشهد الواقعي ليصيغها تجريدًا بقدر ما هو يلتقط أثرًا فيتحول عنده السطح التصويري إلى لغة بصرية توحي بالقدم والتعتيق.
يراوح الفنان محمد آل شايع في أعماله بين التشخيص والتجريد فيقترب في صياغاته نحو تجريد شخوصه التي يضعها في شكل درامي ومبهم يثري بنائية المشهد.
الفنان محمد العبلان مدير جاليري نسما آرت وهو أيضاً أحد المشاركين, تأتي تخليصاته التجريدية بإيحائية دون تضمين المعنى بشكل مجرّد فهو يبحث عن لغة جمالية في فراغ المساحة لينشئ متوازيات لونية مجرّدة.
* في هذا الاتجاه الذي ينزه الشكل وينزع منه الأشكال والمدلولات، وضمن مناخات التجربة تقف الفنانة حنان الحازمي على حافة حائط التجريد ليتحول اللون والشكل إلى تكوينات ومساحات متجانسة ومترابطة في وحدة تصويرية تتضمن بطاقات لونية وموجودات بصرية فتصنع مع العين حوارًا جماليًا.
ضمن تبسيط الأشكال والشخوص واختزالها في بعد واحد تأتي أعمال الفنانة المتألقة فاطمة الدهمش وكأنها تقيم فعلًا مسرحيًا لشخوصها دون ثرثرة فهي تضمن الشخوص برمزية تبدعها الفنانة ولا تضيفها من خارج العمل. هذه الرمزية لا تتطلب فك شفراتها للوصول للمعنى فتضمين الفنانة لرمزية التعبير يصل للمعنى بشكل مباشر.
وبعيدًا عن التصنيفات تستوقفنا أعمال الفنانة البحرينية كادي مطر لنكتشف أن هذه الشخوص والوجوه تفتح حوارًا صامتًا معها في تأملية للغة البصرية دون البحث عن معان محددة. هي تتأملنا وتراقبنا عبر تعبيراتها دون أن نقرر مراقبتها لكنها لا تنظر إلينا مباشرة فتترك للمشاهد فرصة التأمل والحوار البصري؛ هذه الشخوص أجدها في مواجهة الذات وهي تطرح أسئلتها.
كما تحدث عن المعرض التشكيلي محمد الخبتي، أحد المشاركين ومنسق المعرض، (نحاول بمعرض سماء أخرى إيجاد صيغة وطرح مختلف عن السائد سواء بالأسماء المشاركة وتعدد توجهاتهم وأنماط الممارسة التشكيلية لديهم، أو من ناحية الإقامة الجغرافية ومكونهم الفني والفكري، ناهيك عن تنوع صيغ التنفيذ وتوظيف وتعدد الوسائط ونأمل أن يكون هذا المعرض إضافة للساحة التشكيلية المحلية).