د.محمد بن سعد الشويعر
استكمالاً لحديثنا في الأسبوع الماضي عن الفكر والعقيدة ومفاهيمها المختلفة، فقد انساق خلف هذا المنهج كثير من علماء ومفكري الإسلام في هذا العصر «هدانا الله وإياهم» ممن يُلْمَسُ أثرهم في كتبهم من وضع مقاييس خاصة تنبئ عن فكرهم لقضية مّا وخلاف ذلك، وعدم أخذ المقاييس العقلية لمفاهيم معينة كآراء مُسَلّم بها؛ لأن الدين ليس بالعقل وإنما هو دعوة للفكر، واستسلام للنصوص، وتوثيق لمعنى الدلالة.
وإن من يعطي فكرة عامة عمّا شاهده في تلك البيئات في نظرة عابرة، فهو كمن عرف شيئاً وغابت عنه أشياء؛ ذلك أن الأساس في الدين الإسلامي ربطه المحسوسات بالمعقولات، والدعوة إلى الفكر السليم، وتركيز مداخله، والإبانة عن الطرق الصحيحة في استدلالاته، وتوجيهه، هو العامل الرئيسي في التوجيه، فهذا هو الخطام الذي يقود النفس إلى بر الأمان! وهو الزمام الذي تنقاد به النفوس الخيّرة إلى ما فيه الخير والسعادة.
وهذا ما نلمس آثاره لدى كل من دخل الإسلام من أبناء الغرب،حيث يجد الفكر الصائب، والقناعة في كل تشريع، والعلة وراء ذلك الأمر، فعلاوة على الأمر التعبدي، تبرز الحكمة التي بها تصلح المجتمعات، ويسعد الأفراد. وترتاح النفوس. وهو ما نحس بآثاره في كثير من ديار المسلمين، أو لدى الأقليات المسلمة في بعض دول العالم، حيث عرفوا الإسلام بنصوصه، وأخذوا تعاليمه اعتقاداً، فكان الفكر مقترناً بالقناعة.
والذي يخشاه كل من يحرص على دين الإسلام، هو ضعف الوازع الديني «كما هو الحال في كثير من المجتمعات» وذلك بأن يصبح الدين تقليداً لا فهماً، ويتأثر أبناء المسلمين بمنطلقات الأمم الأخرى في فكرها، والتصاق ذلك المعتقد بالأفراد، ثم تتوسع الدائرة لدى الجماعات بالتقليد والإعجاب أولاً، والاهتمام والمتابعة ثانياً.. ثم تحويل ذلك المنهج إلى عمل وعقيدة فيبتعد المسلمون عن منهج دينهم، وتنحرف أفكارهم عن الطريق الذي يربطهم بخالقهم وقيمهم، وما يدعو إليه هذا الدين من مكارم وأعمال ونهج واضح: كتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واستظهار آراء العلماء المعتبرين الموثوقين وسؤال أهل العلم وبذلك يحمي الله الأقدام من الزلل؛ لأن ما وافق مصدري التشريع فهو حسن، وما خالفهما فهو قبيح كما روي عن ابن مسعود (ما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو قبيح) [أخرجه أحمد].
والمؤمنون لا يرون إلا بعين مصدري التشريع: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث يحجزهم ورعهم وخوفهم من الله عن تجاوز مفهومهما، أو التفكر في غير دلالتهما.
ويجب علينا أن ندرك أن الجهة التي يحرصون على غزوها، وتركيز التخطيط نحوها، هي بلاد الإسلام التي فكرها غير فكرهم، ومعتقدات أهلها غير معتقداتهم، ويسلكون في هذا طرقاً متعددة للتأثير فيمن يتلقى عنهم أو يرتبط بهم.. حتى لو بلغ الأمر إلى الشدة والعنف، لإرغام الآخرين بقبول فكرهم، وتبني وجهات نظرهم!
مع اهتمام أولئك بترسيخ الاستعمار الفكري على ديار المسلمين، وعقول أبنائهم؛ ليحل بديلاً عن الاستعمار المادي والإداري؛ لأن الاستعمار الفكري أمكن وأبعد أثراً في الآخرين.
فهؤلاء وأمثالهم يسلكون سبلاً للوصول لغايتهم، ويمهدون لها بما يصدّرون لبلاد المسلمين من أفكار وعقائد، تأتي بمشارب شتى.
تلك الأمور التي يتساهل المسلمون في قبولها، ويتركونها تجول في المجتمع الإسلامي، وتتفاعل في أذهان الناشئة، وتؤثر في غير المتعلمين، وهي تعمل عمل السوس الذي ينخر العظام ويأكل الأحشاء حتى يبددها.
وللحديث بقية إن شاء الله؛؛؛