د.علي القرني
استطاعت جامعة الملك خالد أن تصنع حدثاً دولياً كبيراً في الأسبوع الماضي، بتنظيمها أكبر تظاهرة علمية في المنطقة عن الإعلام والإرهاب، وهو مؤتمر دولي ضمن سلسلة المؤتمرات الدولية التي ينظمها قسم الإعلام والاتصال. ولا شك أنّ وجود أكثر من مائة شخصية أكاديمية وبحثية وإعلامية ومن ومراكز دراسات استراتيجية في هذا المؤتمر، كان له أكبر الأثر في إثراء النقاش والحوار في أروقة الجلسات العلمية. وهذا التنوع في الشخصيات حيث مثلوا ثلاثين دولة حول العالم، إضافة إلى مشاركات نوعية من شخصيات سعودية ذات خبرة ورأي، أضفت الامتداد الكبير في الخبرات الذي كان مثل هذا المؤتمر بحاجة إليهم، وخاصة في مثل هذا الموضوع.
والعنوان الرئيس لهذا المؤتمر هو العلاقة بين الإعلام والإرهاب، فهي علاقة جدلية تتسم بالشك أحياناً، وباليقين أحياناً أخرى. وإذا افترضنا حسن النية في الإعلام الدولي، فإنّ الحد الأدنى من هذه العلاقة يشير إلى توظيف الجماعات والمنظمات الإرهابية الإعلام الدولي في دعم أهدافها الترويجية، ربما وفي الأغلب دون قصد من وسائل الإعلام، لكن التجربة تشير والدراسات توضح أنّ تنامي الإرهاب في العقدين الماضيين جاء بشكل مباشر عبر بوابات الإعلام وخاصة الإعلام الدولي.
والجدل الذي يواجه وسائل الإعلام، هو كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تؤدي رسالتها في النشر، وإبلاغ الرأي العام عن ما يحدث في محيط الجمهور وفي العالم، دون أن تساعد الجماعات والمنظمات الإرهابية في الترويج عن نشاطاتها الإرهابية؟ وهذه الجدلية قائمة وشرعية حيث يتم تناولها بشكل دائم عند موضوع الإعلام والإرهاب. وهناك جدليات عديدة في هذا الموضوع، بما فيها توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة النشاطات الإرهابية، وتحديداً الترويج لفكرها ولصناعة الأتباع.. وما حجم النجاح الذي تحققه هذه المنظمات من وسائل إعلامها ومن وسائل الإعلام الأخرى.
وفي المؤتمر الدولي الثاني (الإعلام والإرهاب: الوسائل والإستراتيجيات)، صدرت توصية مهمة تمثل الموافقة على الإعلان العالمي للإعلام والإرهاب، رغم أنه لم يعلن رسمياً عن الإعلان، حيث ناقش المشاركون مسودة هذا الإعلان، وتمت الموافقة عليه، ولكن تم تفويض جامعة الملك خالد للبحث في طرق الموافقات الإجرائية داخل الجامعة وخارجها. وهو حدث مهم ويجب التوقف عنده، حيث إنّ كثيراً من وسائل الإعلام الدولية تعمل دون مسار واضح لكيفية التعامل مع موضوعات وقضايا الإرهاب.
وفي خضم هذه الجدليات وضبابية رؤية وسائل الإعلام في كيفية معالجة أخبار وقضايا الإرهاب، فإنّ الإعلان العالمي للإعلام والإرهاب يضيء بعضاً من دروب هذه العلاقة الجدلية، ويفتح المجال لمسارات مناسبة يجب أن تسلكها وسائل الإعلام في مجال تغطياتها للأحداث الإرهابية. وفكرة الإعلان العالمي هو فكرة نموذجية تعكس ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الإعلام والإرهاب، وتلفت انتباه وسائل الإعلام إلى دورها غير المقصود في أغلب الأحيان في الترويج للجماعات الإرهابية في إطار السَّبق الصحفي أو في إطار الحصرية..
ويكفي هذا المؤتمر أنه رفع الاهتمام بموضوع الإرهاب ودور وسائل الإعلام إلى مستوى اهتمام دولي، واهتمام بحثي، واهتمام نقاشي، وهذا في حد ذاته نجاح لهذا المؤتمر. ويمكن القول إنّ مؤتمر الإعلام والإرهاب صنع الخطوة الأولى نحو اهتمام الجامعات بهذا الموضوع، وزرع الفكرة في أذهان القيادات الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام، كما - وهذا هو الأهم - كشف عن وسائل التحشيد والترويج للجماعات الإرهابية في صناعة الأتباع، والترويج لفكرها وأساليبها عبر وسائل الإعلام والاتصال.