عبدالعزيز السماري
تعيش أمة العرب زمن انحطاط لم يسبق له مثيل في تاريخهم الطويل، ولو اخترت صورة انطباعية عن هذا الزمن، لكان محتواها وخطوطها مشحونة بمشاعر الكراهية وخطاب التطرف وحاكمية الاستبداد، ولا أعتقد أن ثمة حلولاً لهذه المأزق العربي إلا برحيل هذا الجيل، وخروج أجيال جديدة تنبذ الكراهية وتقدم العقل والعلم والتسامح.
الجيل الذي وصل إلى مرحلة الرشد قبل يوم الحادي عشر من سبتمبر الشهير، كان بمختلف أطيافه محمّلاً بالإقصاء والتطرف والفئوية والرؤية الأحادية، فقط سقط في امتحان بناء الوطن للجميع، وحان زمن الرحيل، فقد كان الصراع يدور حول السيطرة، وإقصاء الآخرين، وكان ذلك ظاهراً في خطاب المثقفين والإسلاميين بمختلف أطيافهم، على طريقة أنا فقط، أو الجحيم.
لو حاولنا وضع نقطة بداية لهذا الجيل، فسنجد صعوبة في الوصول إلى بدايته، فقد تمتد إلى تاريخ طويل من الانشقاق والأحادية في عمق التاريخ العربي، وكان العامل المشترك في هذا العمق هو الكراهية والإقصاء، والأنانية، وكانت سمات مشتركة في الحقب السياسية المتوالية خلال القرن الماضي.
الكراهية بمعنى البغضاء والحقد مشاعر مرتبطة بشخصية غير سوية في إطارها العام، ولهذا لا يحمل الشخص السوي والمتعلم كراهية بمعنى المقت للآخر، ولكن يحرص على عدم إيذاء مشاعره والنيْل منه بشتى الطرق، ومثال جيل الكراهية في الزمن المعاصر ما تُعبّر عنه بعض فئات المنطقة العربية في خطابها الطائفي، سواء كانوا شيعة أو سنة، من كراهية وبغضاء تجاه الآخر، قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة الانتحار.
لأسباب لا أفهمها يُبرر السني المتطرف والشيعي المتطرف أنهما في حكم الشهداء إن نجح أحدهما في قتل أحدهما الآخر، وفي وسط هذه الظلام الدامس لهذا الجيل نجحوا في نشر أفكارهم الدموية، واستطاعت كل فئة منهم احتكار الدين على طريقته، ثم تطويعه لخدمات مصالحهم الضيقة.
لا يمكن أن تخرج العراق من محنتها إلا بخروج الكراهية من الساحة السياسية، فالخطاب السني المتطرف لا ينجحون بمجابهته بخطاب شيعي دموي، وينطلق من كربلاء وبالتحديد من قبر الحسين، متوهمين أنهم بذلك يثأرون من قاتله السني في العراق، فقد تم اختزال الصراع الهاشمي الأموي في الحرب الأهلية العراقية، وبدأ لهم أنهم بقتلهم للعراقيين يبيدون بني أمية، ولكنهم في حقيقة الأمر يقتلون العراق بخنجر مسموم.
لا يمكن أن تعود سوريا إلى طبيعتها إلا باحترام الإنسان السوري أياً كانت طائفته، فقد قاد تحول الصراع السياسي إلى طائفي إلى دخول القوات من الخارج، ولهذا تحولت الساحة السورية إلى ميدان لحرب عالمية مصغرة، وكان الخطأ تحويل الخطاب الوطني السوري إلى خطاب جهادي ضد المخالفين، فكانت الكارثة مزدوجة من قِبل النظام الاستبدادي والمعارضة.
أرى أن الجيل العربي المعاصر في الشرق العربي، ممن تتجاوز أعمارهم الأربعين، وبمختلف أطيافهم، أوصلوا المنطقة العربية إلى الهاوية، ولن يحدث انفراج إلا بخروج أجيال حديثة، تتكلم بلغة العلم والحرية، وترفض الكراهية، ولا تعترف بالكهنوت، والأهم من ذلك أنها لا تلتفت إلى الخلف، ولا تمشي إلى الأمام، بأسلوب لوي الأعناق في اتجاه الماضي.
وبما أننا جيل منتهي الصلاحية، ولم يملك الحلول للخروج من الميراث الدموي، فعلينا أن نعي أننا عاجزون عن بناء وطن يتسع للجميع في المستقبل، وعلينا أن نتوقف عن نقل الأفكار السلبية التي ورثناها عن الأجداد إلى الأجيال الجديدة، وعلينا أن نكفِّر عن تلك الخطايا بأن نُهيئ لهم أفضل الفرص لتلقي التعليم في أفضل الجامعات والتخصصات العلمية..
وأنا واثق من أن الأجيال الجديدة ستكتشف أن حالة الأمن والسلام في الأوطان لا يمكن أن يصلوا إليها بدون أن تتساوى الحقوق والواجبات تحت سقف واحد للوطن، وبدون عنصرية فئوية أو عرقية أو طائفية، وأن يبقى الدين لله عز وجل، وأنه يُعبِّر عن حالة نقية وخالصة من العبودية لوجه الله عز وجل، وبدون تدخل أياً كان بينهما..