د. فوزية البكر
منذ السادس وحتى الثامن من ديسمبر 2106، عقد مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام في فندق الرتز كارلتون بالرياض، منتداه الدولي الأول تحت شعار: المعرفة قوة، وذلك بمشاركة أكثر من ستين متحدثاً عالمياً ومحلياً، وبرؤساء الجلسات من مختلف القطاعات الأكاديمية والمهنية، وافتتح المنتدى برعاية كريمة من أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر، وبمساهمات مميزة من وزراء ذوي علاقة بخلق فرص التحول إلى مجتمع المعرفة، مثل معالي وزير التعليم د. أحمد العيسي ومعالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية علي الغفيص، وبشراكة رئيسة من وزارة العمل وشركاء استراتيجيين فاعلين في تشكيل سوق العمل السعودية، وعلى رأسهم شركة أرامكو وصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) إضافة إلى الرعاة الآخرين.
وقد ساهم المنتدى في استجلاء أفكار كثيرة حول مفهوم مجتمع المعرفة الذي أصبح يتكرر كثيراً في السنوات الأخيرة، لكن من دون تحديد مفاهيم محددة واضحة قابلة للتنفيذ، لذا جاءت جلسات وورش العمل والمحاضرات الرئيسة للمنتدى، لتضع النقاط على الحروف في كيفية التحول وبخطط استراتيجية تدريجية، سواء من قِبل الجامعات أو المؤسسات الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص إلى ما يسمّى اقتصاد مبني علي المعرفة: أي أن تصبح المعرفة هي مصدر الرزق وليس وظيفة ثابتة في قطاع حكومي أو خاص، ولعل العالم اليوم يزخر بكثير من المبادرات الشبابية التي سعت إلى استثمار المعرفة في قطاع ما لتحويله إلى صناعة قائمة، مثل ما فعل مارك زوكربيرج صاحب الفيس بوك أو صاحب جوجل أو معظم الأفكار الشبابية، والمبادرات التي خرجت من السيلكون فالي في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
لدينا في المملكة أكثر من 50 جهة حكومية وغير حكومية تدعم المبادرات الشبابية بالتسهيلات الإدارية والدعم المالي والقانوني والمشورة والتسويق ... إلخ، مثل (حاضنة) والتي نشأت من صندوق الأمير سلطان لتنمية المرأة، وكذلك برنامج (نمو) لدعم مهارات الشباب الشخصية، كذلك مركز الأميرة مضاوي بنت مساعد لدعم رائدات الأعمال، وحاضنات (بادر) في صندوق الموارد البشرية، وبنك التسليف وصندوق عبد اللطيف جميل، ومراكز ريادات الأعمال في الجامعات، وغيرها كثير من المبادرات المتناثرة هنا وهناك، وما على الشباب إلا البحث عنها ومحاولة استغلالها بما يساعدهم على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة توظف الشاب أو الشابة نفسها وتوفر فرص عمل للغير، والأمثلة حولنا كثيرة، فالشاب السعودي لؤي نسيم خلق لنفسه شركة من خلال فكرة بسيطة علقت في ذهنه بعد أن أنهى دراسته في الولايات المتحدة، وهو أنه وجد أزرار الثوب غير عملية وأراد استبدالها بسحاب وبالطبع لم تجد فكرته قبولاً أبداً من خياطي الرجال، مما اضطره إلى الاستعانة بخياط نسائي أولاً لتنفيذ الفكرة في ثوبه هو، والذي حاز على إعجاب المحيطين به، فدفعه ذلك إلى البدء في محله الصغير ثم تدريجياً تطورت الفكرة لتصبح اليوم علامة تجارية (لومار) والتي تُعد من أكبر متاجر الأزياء الرجالية من حيث المبيعات في المملكة، وقد صنّفته مجلة فوربس الأمريكية عام 2015 في الترتيب الثاني بين رواد الأعمال الأكثر إبداعاً في المملكة العربية السعودية.
الشيء نفسه فعلته الشابة لطيفة الوعلان صاحبة منتج القهوة العربية (يتوق)، والذي سمته كذلك لما لاحظته أثناء دراستها في الخارج من شوق وتوق الطلبة السعوديين لفنجان قهوة عربية مضبوطة، فبدأت الفكرة بإعداد منتج لقهوة عربية سهلة التحضير، وبدأت بتسويقها للطلبة السعوديين في الولايات المتحدة، ثم وجدت قبولاً في الرياض وغيرها من المدن، حتى تمكنت من ابتكار أول ماكينة صنع قهوة عربية في العالم، وتم تسجيل براءة الاختراع باسمها. أفكار بسيطة تحولت إلى أعمال ناجحة لأنّ صاحبها لديه أولاً فكرة مبتكرة يحتاجها مَن حوله وهو انتبه إلى هذا الاحتياج، ولديه العزم لتحمل مصاعب التأسيس، ولديه مهارات شخصية تمكنه من الاستفادة من الموارد حوله بشرية (صداقات، علاقات) أو مادية (تسهيلات بنكية، مساعدات قانونية).
منتدى أسبار الدولي الأول كان فرصة ذهبية لتأكيد أهمية وضرورة التحول الشامل والسريع نحو مجتمع المعرفة، والذي وكما أكد البروفيسور فين كيدلاند والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2004، بأنّ ذراعها الأساسية هو الابتكار والذي يحفزه نظام تعليمي متطور وأنظمة حكومية وخاصة، تتجنب البيروقراطية وتدعم ريادات الأعمال الشابة.
منتدى أسبار الدولي بنسخته الأولى هذه، يؤكد دوره الطموح في أن يكون خلال السنوات القادمة، ومن خلال منتديات قادمة، طريقاً لرسم سياسات المستقبل في المملكة والعالم العربي.
حفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.