علي الصراف
لا تنتظر السعودية شكراً من أحد على ما تؤديه، ولا على التضحيات التي تقدمها للدفاع عن الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة والعالم. لا بأس. فالشكر زائد عن الحاجة. بل، ولا بأس أيضاً في بعض النكد. فالحقائق حقائق، والصدر الذي اتسع من قبل، لا تزال توجد فيه فسحة للصبر على زلات لسان قد تصدر عن عدو أو صديق.
ولكن هل تخوض السعودية «حروبا بالوكالة»، حقا؟ ثم، «بالوكالة» نيابة عن مَنْ؟
لا توجد قوة عظمى واحدة تختفي وراء ما تخوضه السعودية من «حروب» (إذا كانت هناك أكثر من حرب). لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا، ولا أي قوة عظمى أخرى تقف خلف المملكة لتغطي بها مصالحها. لا توجد حقيقة أكثر سطوعا من ذلك. بل إن تردد القوى العظمى في دعم الحرب ضد التمرد في اليمن، لا يزال حتى هذه الساعة سببا لإطالة أمدها. ونحن نفهم لماذا.
إذا كان ذلك كذلك، فـ «بالوكالة» عن مَنْ؟ ولتحاشي المواجهة مع مَنْ؟
تقود المملكة تحالفا عربيا في اليمن، بسند قانوني من المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، ليس فقط لاستعادة الشرعية، وإنما للدفاع عن نفسها حيال الهجمات والاعتداءات والجرائم التي ترتكبها جماعة «الحوثي» وحلفاؤها ومن يمثلون. والكل يفهم أن هؤلاء هم الذين يخوضون «حربا بالوكالة» عن إيران؛ هذا البلد الذي لا يخفي قادته نزعاتهم التوسعية ولا تهديداتهم الإستراتيجية ولا تدخلاتهم المقيتة في شؤون الدول المجاورة. مع ذلك، فنحن هنا، إنما نتحدث عن خطر مباشر، لا عن خطر «بالوكالة». لو وجد أي بلد في العالم نفسه أمام هجمات بالصواريخ، واعتداءات مسلحة متواصلة على الحدود، فماذا سيفعل؟
ولو قامت عصابة مسلحة، باسم الدين أو السياسة، باختطاف دولة بأسرها، وبالسيطرة على مواردها لتسخيرها لخدمة تهديدات إقليمية، فماذا يتعين على دول الجوار أن تفعل؟
ومع ذلك، فانه ما من سبيل لتحقيق السلام في اليمن، بإشراف المجتمع الدولي، وما من جهد لوقف إطلاق النار، إلا وساندته السعودية، دونما تردد.
ولا تخوض السعودية حربا أخرى، إلا على الاستبداد والإرهاب. وهذا أمر لا يستوجب الشكر والتقدير فحسب، ولكنه يستوجب المساندة المخلصة أيضاً، على الأقل لأنه يصدر عن موقف أخلاقي وإِنساني صحيح. وهو، على أي حال، جزء من جهد دولي عريض، تؤدي به السعودية به دورها كجزء مسؤول من العالم وكقوة إقليمية كبرى فيه. وإذا كان الإرهاب تهديدا، فنحن هنا، في قلب المعركة. وخوض الحرب ضده ليست سوى حرب دفاع عن النفس. ولو لم يجد العالم في هذا التهديد خطرا عليه، لكان من الواجب على دول المنطقة أن تخوض هذه الحرب بمفردها. أما الاستبداد، واستراتيجيات صنع الدول الفاشلة، لزعزعة الاستقرار الإقليمي، فانه إذا كان نوعا من مأساة، فنحن هنا في قلب المأساة، وعلينا أن نواجهها. أخلاقيات «العالم المتحضر»، التي تبدو في الكثير من الأحيان مجرد محاضرات فارغة للاستعلاء العنصري، لا تكفي بالنسبة لنا عندما يصبح الملايين عرضة للتهجير وخراب السقوف التي على رؤوسهم. السعودية، وكل دول مجلس التعاون الخليجي، بل وكل دولة تمتلك ضميرا إِنسانيا حقيقيا، كانت ستجد نفسها مضطرة لخوض الحرب ضد هذا النمط من المأساة، وهو هنا، دفاع عن النفس أيضاً. مع ذلك، فالسعودية تخوض بالفعل «حروبا بالوكالة». نعم، هذا صحيح تماماً. فعندما يتعلق الأمر بمصائر عشرات الملايين من البشر، فالحقيقة هي أن السعودية تخوض هذه الحروب بالوكالة عني وعنك وعن كل ضحية من ضحايا الإرهاب والاستبداد والفشل.
وهل يكفي الشكر؟ وهل يكفي أن ينحني العالم بأسره احتراماً لدور سعودي نبيل؟