«الجزيرة» - سعد العجيبان:
مرت الشورى بمراحل عدة منذ دخول الملك عبد العزيز - رحمه الله - مكة المكرمة عام 1343هـ - 1924م؛ حيث دعا آنذاك إلى الشورى، وجعلها ركيزة أساسية في حكمه، تثبيتاً لأمر المشاورة وفق الأسس الشرعية، وهي نواة لدولة إسلامية شورية، دستورها الكتاب والسنة.
وتعد تجربة المملكة في مجال الشورى تجربة ثرية لا تختلف عن تجربة أي مجلس برلماني، في مراحل تطويره، وفي ممارساته لمهامه، بناءً على المعطيات السياسية، والظروف الداخلية لكل بلد.
المجلس الأهلي الشوري لعام 1343هـ
جاء تأسيس أول مجلس منتخب في 24-5-1343هـ الموافق 20-12-1924م, أطلق عليه المجلس الأهلي الشوري برئاسة الشيخ عبد القادر بن علي الشيبي، ويضم في عضويته (12) عضواً، ولما كان بناء الدولة لم يكتمل؛ فقد أُنيط بهذا المجلس تنظيم مواد أساسية لإدارة البلاد، ولم يكن هناك نظام يحدد عمل المجلس، واستمر هذا المجلس حوالي ستة أشهر.
المجلس الأهلي الشوري لعام 1344هـ
رغبة في توسيع دائرة المشاركة، فقد تم حلّ المجلس السابق، وصدرت الإرادة السلطانية في 8-1-1344هـ، الموافق 28-7-1925م، بتشكيل مجلس منتخب يمثّل جميع حارات مكة المكرمة، وعددها (12) حارة، على أن يكون اثنان من العلماء، وواحد عن التجارة، إضافة إلى ثلاثة أعضاء يعينهم السلطان عبد العزيز من أعيان البلد. وهنا نلحظ الجمع بين الانتخاب والتعيين، حيث جاء المجلس برئاسة الشيخ - محمد بن عبد الرحمن المرزوقي، والشيخ - عبد القادر بن علي الشيبي، نائباً للرئيس، و(15) عضواً، والشيخ - محمد سرور الصبان، أميناً للسر.
وقد جاء هذا المجلس أكثر تنظيماً عن سابقه، وذلك بوجود نائب للرئيس، وأمين للسر، وافتتح المجلس في يوم الثلاثاء 13-1-1344هـ، الموافق 2-8-1925م ، ثم جاءت تعليمات تشكيل هذا المجلس في ست مواد، حددت شروط العضوية، وآخر موعد للاقتراع، ومن لهم حق الاقتراع، وهي تعد النواة لنظام مجلس الشورى الذي تأسس فيما بعد.
أما ما يتعلّق باختصاصاته؛ فقد تمت صياغتها في سبع مواد، تشمل: تنظيم جميع الأمور وترتيبها في المحاكم، والأمور البلدية، والأوقاف، والتعليم، والأمن، والتجارة، إضافة إلى تشكيل لجان دائمة لحل المشكلات التي يُرجع فيها إلى العرف بما لا يخالف أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية.
مجلس الشورى لعام 1345هـ
ضمن المراحل التي مرت بها البلاد نحو توحيدها، وبناء دولة مؤسسات قادرة على النهوض بالدولة والمجتمع نحو التقدم؛ فقد صدرت موافقة الملك عبدالعزيز في 21-2-1345هـ، الموافق 29-8-1926م على التعليمات الأساسية لنظام الحكم، ومن ضمن تلك التعليمات القسم الرابع الخاص بالمجالس، ومنها ما يتعلّق بمجلس الشورى وهي المواد: (28)، و(29)، و(30)، و(31)، و(36)، و(37) ، حيث أشارت تلك المواد إلى مقر المجلس، وتسميته بمجلس الشورى بدلاً من الاسم السابق المجلس الأهلي، وتشكيلة أعضائه الذين بلغ عددهم (12) عضواً، وتحديد انعقاد جلساته، ومن لهم حق حضور الجلسات، ومدة العضوية بسنة واحدة ، ولم ترد هذه المواد في مجملها في تعليمات تشكيل المجلس السابق، وتم حل هذا المجلس في 7-1-1346هـ، الموافق 6-7-1927م.
مجلس الشورى لعام 1346هـ
بعد يومين من حل المجلس السابق أي في 9-1-1346هـ، الموافق 8-7-1927م صدر أمر ملكي بتعديل القسم الرابع من التعليمات الأساسية، وهي الخاصة بمجلس الشورى، بحيث يعمل المجلس وفقاً للنظام الجديد المعدل، وقد تكون المجلس لهذا العام من ثمانية أعضاء لمدة سنتين، ووفقاً للنظام فإن تشكيل الأعضاء يتم بانتخاب الحكومة أربعة بعد استشارة أهل الفضل والخبرة، وأربعة تختارهم الحكومة بمعرفتها يكون اثنان منهم من أهل نجد.
نظام المجلس
أما نظام المجلس، فقد صدر في خمس عشرة مادة، أظهرت في تنظيمها تجارب المجلس السابقة.. وهو بذلك يعد أول نظام للمجلس، ويلزم بأعضاء مفرغين عددهم (8) أعضاء، برئاسة النائب العام لجلالة الملك سمو الأمير - فيصل بن عبد العزيز، على أن ينعقد المجلس مرتين في الأسبوع، ويمكن أن يجتمع أكثر من ذلك بناءً على دعوة من رئيسه كلما دعت الحاجة.
وبهذا يعد هذا العام تاريخ التأسيس الفعلي لمجلس الشورى في عهد الملك عبد العزيز، وقد افتتح الملك عبد العزيز دورته الأولى في 14-1-1346هـ، الموافق 13-7-1927م، وعقدت أولى جلساته في يوم الأحد 18-1-1346هـ، الموافق 17-7-1927م.
مجلس الشورى لعام 1347هـ
وفي عام 1347هـ اقتضت المصلحة إجراء بعض التعديلات في نظامه، حيث صدر في العام نفسه نظام آخر معدل في أربع عشرة مادة، وكانت التعديلات التي تم إدخالها في هذا النظام، هي:
أطلق العدد الذي يؤلّف منه أعضاء المجلس، وبلغ العدد ذلك العام (12) عضواً، بعد أن كان محدداً بثمانية أعضاء. كما أشارت المادة الثانية إلى تعيين نائب دائم للمجلس من قبل الملك، وأن ينتخب نائب ثان من قبل المجلس، وحددت المادة الثامنة انعقاد جلسات المجلس يومياً بعد أن كانت مرات انعقاده اثنتين في الأسبوع.
كما صدر عن المجلس في العام نفسه ملحق للنظام في سبع مواد، تمت صياغته ليكون أكثر ملاءمة وتنظيماً لسير أعمال المجلس، وقد صدر لاحقاً بعد إدخال بعض التعديلات، تحت اسم؛ (النظام الداخلي لمجلس الشورى)، في أربع وعشرين مادة.
وقد استمر مجلس الشورى بنظامه المذكور دون تعديل، وظل يمارس قدراً واسعاً من الصلاحيات إلى أن تأسس مجلس الوزراء عام 1373هـ-1953م، حيث جرى توزيع الكثير من صلاحيات مجلس الشورى بين مجلس الوزراء، والأجهزة الحكومية الجديدة، والمطورة وفق أنظمتها، لكن مجلس الشورى ظل يواصل جلساته ويستعرض ما يحال إليه وفق نظامه، وإن لم يكن بالمستوى الذي كان عليه من قبل.
وقد عقد المجلس القديم منذ عهد الملك عبد العزيز حتى نهاية عهد الملك خالد بن عبد العزيز - رحمهم الله - (6222) جلسة، أصدر خلالها (9349) قراراً، وعدد دوراته بلغت (51) دورة.
مجلس الشورى الحديث
عندما قطعت المملكة شأناً بارزاً في التنمية, أصبحت الحاجة ماسة لتحديث الأنظمة في البلاد, الأمر الذي حدث في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله -، حيث أعلن في خطابه التاريخي الذي ألقاه يوم 27-8-1412هـ عن إصدار الأنظمة الثلاثة، نظام الحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق.
وقد كانت إعادة تحديث نظام مجلس الشورى بمثابة تحديث وتطوير لما هو قائم، عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه من الكفاية والتنظيم والحيوية، بما يتناسب مع التطورات المتلاحقة التي شهدتها البلاد خلال الحقبة الأخيرة في مختلف المجالات، وبما يواكب واقع العصر الذي تعيشه، ويتلاءم مع أوضاعه ومعطياته، إيذاناً ببداية مرحلة جديدة من تاريخ الشورى العريق في المملكة.
الملك فهد
لقد رسخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - دعائم الشورى في المملكة بإصداره نظاماً جديداً لمجلس الشورى بتاريخ 27-8-1412هـ يحل محل نظام المجلس القديم الصادر في عام 1347هـ، واعتماده للائحة الداخلية للمجلس والقواعد الملحقة بها في تاريخ 3-3-1414هـ ومن ثم تكوينه للمجلس في دورته الأولى من رئيس وستين عضواً، وفي دورته الثانية صار المجلس مكوناً من رئيس وتسعين عضواً، وفي دورته الثالثة أصبح المجلس مكوناً من رئيس ومائة وعشرين عضواً، وفي دورته الرابعة صار المجلس مكوناً من رئيس ومائة وخمسين عضواً، من أهل العلم والخبرة والاختصاص, وكذلك في الدورة الخامسة.
الملك عبدالله
في 26-6-1426هـ الموافق 1-8-2005م تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - الحكم في البلاد؛ وأولى عنايته القصوى بهذا المجلس التي تمثّلت في دعمه لمسيرته وتعزيزه لأهدافه منذ كان ولياً للعهد، حيث قام - رحمه الله - بإلقاء عدد من الخطابات الملكية نيابة عن الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في بداية أعمال بعض سنوات دورتي المجلس الثالثة، والرابعة، إلى جانب ما أولاه - تغمده الله بواسع رحمته - من دعم للمجلس من خلال وتعديل بعض مواد نظام المجلس كي تتفق والمتغيّرات الإيجابية المتنامية التي تعيشها المملكة بما يحقق الرفاه للوطن والمواطن.
دخول المرأة
وشهدت الدورة السادسة لمجلس الشورى نقلة نوعية بدخول المرأة عضواً في المجلس حينما قرر الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه التاريخي تحت قبة المجلس في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة, بتعيين المرأة عضواً في مجلس الشورى, ليمنح - رحمه الله - المرأة السعودية حق المشاركة في صناعة القرار الوطني.
الملك سلمان
وفي 03-04- 1436هـ تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الحكم في البلاد, وقد أولى - رعاه الله - مجلس الشورى اهتمامه وعنايته, منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض, حيث حضر إحدى جلسات المجلس, لإطلاع أعضائه على جهود دارة الملك عبدالعزيز لحفظ وتوثيق تاريخ المملكة, والعناية بالمخطوطات, والوثائق التاريخية ذات الصلة بتاريخ المملكة - بوصفه رئيساً لمجلس الدارة - . كما ألقى - أيّده الله - الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الثالثة لمجلس الشورى في دورته السادسة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله -.
كما ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الخطاب الملكي لدى افتتاحه أعمال السنة الرابعة للمجلس في دورته السادسة ، حيث أكد - أيّده الله - أن برامج التطوير والتنمية التي نشهدها تنطلق من ثوابتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية بما يحفظ الحقوق ويحدد الواجبات، مؤكداً - حفظه الله - العزم على مواصلة تلك البرامج في جوانب التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
وأثبتت النخبة التي تكون منها المجلس الحديث خلال دوراته الست, جدارتها بما أنجزته من أعمال كبيرة، وقرارات مهمة خلال فترة وجيزة، إذ عقد المجلس منذ دورته الأولى في عهده الحديث وحتى نهاية السنة الرابعة من دورته السادسة 1683 جلسة.