أمل بنت فهد
الرأي العام قوة ضاغطة وطاردة ومجنونة.. قوة الإجماع على المطالب.. قوة تحرك الموازين وتتحدى القوانين الفيزيائية ومعاييرها.. قوة وطنية.. سرها في أغلبية الأصوات التي تجبر وتحشر في زاوية.. ومن يعرف فنون توجيه الرأي العام يستطيع أن يفعل الممنوع والغريب ويفرض المختلف.. إذا علم كيف تدار أسهم المجتمع الفكرية.. إذا تمعن في توجهاته.. واستطاع أن يقيس عمق الجذور.. حتماً يستطيع قصها.. وربما اجتثاثها.. جذرٌ يتبعه جذر.. مهما كانت عاطفة المجتمع متعلقة بها.. تبقى عبقرية إدارة الحشود الفكرية قوة جبارة تعمل على مستوى أعمار وأجيال.. غير مهتمة بالوقت الذي يحتاجه توجيه رأي جماعي تجاه الهدف.. فهذا العمل لا ينجح فيه إلا أصحاب البال الطويل جداً.. والذي يرى أن أبسط تغيير إنجاز يخدم الهدف الكبير.. مهما كان خفياً.. صغيراً.. فإنه يفهم سر ترتيب إسقاط الصَّغير لأكبر وآخر وأضخم قطعة.
الحاصل الآن مع ثورة الاتصالات.. وفورة التوثيق.. أن الأحداث باتت أسرع انتشاراً.. ومع هذه السرعة يتخبط الرأي العام أمام شهية المشاركة غير المدروسة.
على سبيل المثال فإنَّ الجميع ممكن أن يبدي رأيه.. ويسقط حكمه.. مستنداً إلى مقطع مصور لا يتجاوز الدقيقة الواحدة.. أو صورة مسربة.. ورغم أنها لا توضح الحقائق.. ورغم أن الجهات ذات العلاقة لم تصرح بشيء بعد.. إلا أن الرأي العام يسبق الجميع.. ويسابق نفسه ليقول كلمته!
كأنه ذاك «المرجوج» الذي أخذ طرفاً من القصة.. وذاع على أثرها رواية ليس لها نهاية ولا بداية.. ظُلم فيها أناس.. وغُيِّب فيها مجرمون.. وضاع أصل الحكاية.. وهكذا تنتهي في فوضى النقل «الغبي» والمتعجل.. لمجرد استشراف المجالس.. وتصدرها.. لمجرد أن يكون وكالة الأخبار الاجتماعية!
هذه الجرأة على الاستخفاف بحياة الناس.. وأسرارهم.. تصيب توجه الرأي العام في أهم مرتكزاته.. لأنه سيتحول إلى رأي مأجور.. رأي ليس نزيهاً.. رأي لا يختلف عن حكم الغاب الذي ينصف القوي على حساب الضعيف.. رأي لا دين له ولا ملة.. رأي ليس له قاعدة ولا مبدأ.. رأي فوضوي يخدم الرغبات الدنيئة.. رأي لا يعرف أن الرأي العام خط يحمي من الدخلاء.. ويقف في وجه الأعداء.. ويدفع عجلة التنمية.. ويزكي العدالة والنزاهة.
الرأي العام ليس مجرد تغريدة في موقع.. إنما موقف يأخذ المجتمع نحو النور.. أو صوب حتفه.. الرأي العام وليد يجمع شتاته فينا.. ويحاول أن يخرس صوت المحقق كونان الذي يدفع بالكثير ليكونوا محققين.. واعظين.. مدمرين.. وظالمين.. فلنخرس كونان وأصدقاءه.. ونحاول أن نفهم أبعاد الأمور وحقيقتها قبل الخوض فيها.. ولتكن كلمتك غالية وليست مجرد ثرثرة أو (مع الخيل يا شقرا).