د.فوزية أبو خالد
وجدت هذا العنوان معبراً عن واقع الحال على مستوى شخصي فيما يخص توقيتي المتأخر للكتابة واللاهث دائما خلف مواعيد جدولي المشحون طوال العام أو في معظم الأيام، وعلى مستوى عام فيما يخص الموضوعين اللذين يشكلان مادة مقال اليوم. موضوع الاتحاد الاقتصادي الخليجي المنشود، وموضوع إعادة الاعتبار لمنظمة الأوبك وإعادة التوازن لأسعار النفط ووقف الانهيار.
الموضوع الأول الذي ينطبق عليه هذا العنوان هو تلك المآلات المتأخرة، ولكن التي نرجو أن تكون متحققة أخيرا على أرض الواقع فيما يخص بعضا من نتائج قمة الخليج الأخيرة بالبحرين لدورته السابعة والثلاثين.
الموضوع الثاني، يعنى بالوقوف على بعض ما يخص نتائج اجتماع التاسع من هذا الشهر الميلادي لمنظمة أوبك والدول المصدرة للنفط خارجها, وما يحمله من احتمالات، ومايعبر عنه من مفارقات الائتلاف رغم الاختلاف.
الاتحاد الاقتصادي الخليجي بين القمة وبين القاع
بالنسبة للموضوع الأول، وجدت فيه أن لقاء القمة لمجلس التعاون الخليجي الأسبوع الماضي قد حمل بعض المؤشرات الملفتة التي جعلت من اللقاء السنوي موضوعا لا تقتصر أهميته على قمة الخليج، ولا على جانبها الإعلامي وحده، بل ترتقي لتمتد أهميتها إلى قاع الخليج أي إلى ما يقلق المجتمع الخليجي بقواه الاجتماعية المختلفة والمتعددة.
فبقدر ماكان قيام مجلس التعاون الخليجي حين انبثاقه عام1981م يبدو وكأنه مجرد تعبيرعن حس أمني لدى الرؤوس الرسمية لأنظمة الخليج في تقارب شرعياتها السياسية وفي تشابه ريعيتها الاقتصادية، وفي تحالفاتها السياسية المرتبطة بماكان يعرف وقتها بالقوى الامبيريالية للرأسمالية الغربية والأمريكية على وجه التحديد، سواء في صراعات حربها الباردة على مناطق النفوذ السياسي العالمي أو على مناطق الثروات الطبيعية مثل المنطقة النفطية، بقدر ماكان ولايزال أمر تطوير اتحاد مجلس التعاون من مستواه القممي ليمتد ويشمل العمق الشعبي يشكل هاجسا للنخب المثقفة ومطمعاً لنخب رؤوس المال وأرباب الأعمال ومطلبا سياسيا مجتمعيا.
غير أنه بما أن الليلة لا تشبه البارحة فقد أصبح هذا المطلب اليوم أكثر من أي يوم مضى مطلبا ملحا وضروريا خاصة في ظل مد وجزر التحولات السياسية التجريفية على المستويات العربية والإقليمية والدولية بانعكاساتها الأمنية المرعبة على العمق العربي، وفي جواره الخليجي المباشر، وكذلك في ظل التذبذب المريع لبوصلة الاقتصاد الخليجي نتيجة الهبوط السريع المحبط لأسعار النفط.
ولهذا، فلابد لمن يتابع الواقع العربي والوضع الخليجي والتعقيدات المركبة المحلية والمحيطة بمحاقاتها واحتمالاتها ويده على قلبه وعلى تراب وطنه, حيث يتعدى قلق المنطقة اليوم القلق السياسي إلى قلق وجودي, أن يحاول أخذ نفس عميق من تلك القرارات الخاصة بالاقتصاد الخليجي التي جاءت في قمة المنامة على أمل أن تكون من الجدية والفعالية بما يخرجنا ولو قليلا على مجمل العوادم الضبابية المطبقة.
ليس لنا أن ندخل بأثر رجعي في تشخيص الأسباب أو تحليل ما وراء الأسباب التي أخرت مجلس التعاون الخليجي ثلث قرن عن التقدم التعاوني النشط والفعال على الجبهة الاقتصادية فيما عدا ما يعد الإنجاز الوحيد اقتصاديا الذي يعتد به طوال هذه الفترة، وهو ما تمثل في تحقيق ما يشبه ولا يقارب تماما المواطنة الاقتصادية الخليجية بالإعفاء من الرسوم خليجيا والتنقل بين دول الخليج بالهوية الوطنية دون الحاجة لجواز السفر, فقد كان لذلك أسبابه وظروفه التي قد يكون من أبرزها وقتها: أولا،استمرار الرخاء الريعي منذ تأسيس المجلس بفجوات زمنية استثنائية في ذروة حرب الخليج الأولى والثانية . وثانيا, الاعتماد على الأساليب الرعوية في إدارة الشأن الداخلي لكل دولة من دوله قبل أن تشكل أوضاع اليوم عامة والسياسية والاقتصادية خاصة تحدياً للاستمرار فيها.
ولهذا نرى احتمال أن ينطوي موقف القمة الأخير اقتصاديا على ماقد يشكل بابا رئيسا من أبواب الإصلاح والتغير الإيجابي على مستوى علاقة المجتمع الخليجي ببعضه البعض وبداخله، وليس فقط على مستوى العلاقة الرئسية بين قياداته ليعتقه من الاعتماد المعيق على مداخيل الريع النفطي الخام ومن محدودية التعاون بين الدول للتفاعل بين الشعب الخليجي عن بكرة أبيه وفي مستوياته المتعددة نحو اتحاد جمركي ونحو سوق مشتركة بسياسات نقدية ومالية مشتركة ونحو وحدة اقتصادية عاملة، وليس رعوية تقود لشركات عالمية من موقع تكتل مستقل ندي . فالمعيشة وسبل الرزق هي واحدة من أهم تقارب العقول والقلوب، إنها وحدة المصالح والمصير التي لا تحل عراها بسهولة.
منتجو النفط
بين الائتلاف والاختلاف
أما الموضوع الآخر الذي، وإن أخرت الكتابة فيه فالوصول فيه متأخراً خير من اللاوصول، فهو النجاح الذي نرجو أن يصمد ليس من بداية العام 2017م إلى شهر مايو وحسب بل إلى حين إعادة التوازن لسوق النفط ولأسعاره بما يوقف البكاء على اللبن المسكوب أوسائل الذهب الأسود المتطاير في مهب هبوط الأسعار المريع، وبما يرأف بحال مواقع قد تعرى وتجوع أو تنقرض لو حرمت من كعكة النفط على حين غرة.
وينطبق على نجاح اتفاق دول منظمة الأوبك ومن خارجها من منتجي النفط في هذا الموقف قول إذا تقاربت المصالح فإن الجبال التي عادة لاتتحرك فإنها تطير وتلتقي. فبكل تعقيدات وفجوة الخلافات السياسية الفاجعة والتي تحول بعضها إلى حروب ومواجهات عسكرية غير عادلة وجدنا منظمة أوبك تنجح في لم شعث وجمع شمل منتجي النفط من داخلها وخارجها بما فيها روسيا والمكسيك والعراق وإيران لتوقيع اتفاق غير مسبوق منذ العام 2001م على خفض النسبة اليومية لحصص الإنتاج بما وصل بتوزيعات متقاربة على الدول المشاركة إلى سحب ما كميته مليون برميل يوميا من السوق النفطية. أما المفارقة بين الائتلاف الاقتصادي وإن وقتياً والاختلاف السياسي، فهذا موضوع آخر يستحق العودة له وتحليله أو على الأقل مساءلة ما له وما عليه.