غسان محمد علوان
انتشر في وسطنا الرياضي أحد أشكال الرهاب أو الفوبيا، الذي يتم تعريفه بالشكل الآتي:
«الرهاب أو الفوبيا هو مرض نفسي، يُعرف بأنه خوف متواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها، أو مجرد التفكير فيها، أو أجسام معينة، أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر لمعرفة بهذا النقص». وتختلف أنواع الفوبيا التي قد يصاب بها أي شخص، كفوبيا الأماكن المرتفعة أو الأماكن المغلقة، أو حتى فوبيا الأماكن المزدحمة.
أما البلوفوبيا أو (الرهاب الأزرق)، الذي يعاني منه ما يقارب 45 % من الوسط الرياضي، فليس وليد اليوم أو حديث المنشأ؛ فهو متغلغل في ثقافة بعض الرياضيين الذين لا يستطيعون إنصاف تفوُّق وتفرُّد منافسهم، وإقرار أحقيته به متى ما تفوَّق، فيذهبون لا إراديًّا لنسج الحكايات، وتفصيل المؤامرات التي تجري أحداثها في مخيلتهم؛ فتبدأ الفكرة في رأس أحدهم، ويزيد الآخر في تفاصيلها من رأسه هو، وتتصاعد الحبكات والقصص بشكل درامي هوليودي، يحسدون عليه، ثم يعرضونها للعامة التي تشاركهم المتلازمة نفسها. والعجيب أنه لا يوجد أي أحد منهم قادر على طرح بعض الأسئلة البسيطة على نفسه، مثل: هل القصص حقيقية؟ متى حدثت؟ وما هي إثباتاتها؟ وهل من قام بها تعصبًا يستحيل على منافسه المتعصب أيضًا أن يقوم بها؟ والأكيد أنهم لا يستطيعون التصريح بأن تلك القصص والأوهام هي مجرد مهرب آمن من واقع لا يعجبهم، يستحيل معه التسليم بأفضلية الضد.
واقع مؤلم مستمر، ضارب في تاريخ رياضتنا كعمق إنجاز زعيم الكرة السعودية والآسيوية في تاريخ المنطقة.
فعبارة (أعطوا الهلال كأسًا واتركونا نتنافس على كأس آخر) هي تسليم حقيقي بسطوة الهلال، وإن قيلت بغرض التشكيك وتحجيم التفرد. وشخصيات (السوسة والسويسة) التي صور لها البعض كقوى شر قادرة على تفصيل المنافسة لفريق واحد دون غيره من جدولة وتحكيم وإعلام وقوانين ولجان، بل حتى كشياطين قادرة على جعل الرياح تتجه لجهة لعب الهلال نفسها في شوط، ثم تقوم بعكس اتجاهها مع بداية الشوط الثاني.. وهي طرق أخرى للهروب من واقع منافسة حقيقي، لم يتوافق مع ميول قائلها.
والآن أصبح المصابون بمرض البلوفوبيا أعلى صوتًا، وأكبر قدرة على نشر تلك الأمراض، بعد أن كان المبتلى به سابقًا مقتنعًا بمبدأ (إذا بُليتم فاستتروا)، بلا خجل من تكذيب أو تزييف أو قفز على الحقائق.
فلنأخذ أمثلة سريعة من الكم الهائل من حالات مصابة بهذا الرهاب:
- يقولون إن سامي الجابر وعن طريق تدريبه للشباب قد أوقف منافسي الهلال خدمة له لعدم اللحاق به بانتصاره على الأهلي والاتحاد والتعادل مع النصر.. ولا يقولون إن النصر قد تغلب على الأهلي والاتحاد، وتعادل مع الشباب خدمة للهلال.
- يقولون إن الدكتور عادل عزت قد أتى لخدمة الهلال؛ لأنه قد عمل مع الأمير عبدالله بن مساعد في أعمال تجارية (رغم تنحيه عن المنصب لإبعاد تهمة تضارب المصالح). ويتجاهلون حديث الدكتور نفسه عندما قال: أنا أهلاوي الميول، ولعبت مع الأهلي، وكنت عضوًا شرفيًّا في سجلاته.
- يغضبون من احتساب هدف للهلال من موقف تسلل في مباراة انتهت بسداسية هلالية، كانت قابلة للزيادة، وحتى المضاعفة، ولا يتحدثون عن هدف التعادل النصراوي الذي حرم الشباب من ثلاث نقاط مستحقة، وأطاح بالأهلي للمركز الرابع، وقلل الفارق النقطي بين الاتحاد والنصر.
- يقولون إن عمر المهنا هلالي، وإنه لم يتسلم قيادة اللجنة إلا خدمة للهلال، ويطالبون ببقائه عند الانتخابات.
هذه الأمثلة ليست إلا غيضًا من فيض، وليست أمثلة تم جمعها خلال سنوات عديدة، بل هي مجرد التفاتة سريعة لما يتم تناقله واللطم عليه خلال الأيام القليلة الماضية لا أكثر.
كل ما في الأمر أن الهلال استعاد شيئا من عافيته، وبعضًا من عنفوانه، وهو الآن المرشح الأكبر لتحقيق بطولة الدوري بعد غياب خمسة أعوام، فإن حققها بتوفيق من الله فقد وصموا بطولته بعدم النزاهة مبكرًا، وإن لم يحققها بأمر من الله فهو انتصار للعدالة والشرف.
هذا هو ما يسعى إليه المتأزمون، وهو ما يسعى إليه المصابون بـ(بلوفوبيا). نسأل الله لهم الصحة والعافية، والعودة للاستمتاع بكرة القدم والرياضة.. وندعوهم لتجربة قد تكون جديدة بالنسبة لهم، هي أن يحبوا ويعشقوا أنديتهم أكثر من كرههم وحقدهم على الهلال. فوالله ذلك هو الطريق الأسهل للعافية، والسبيل الأكيد للاستمتاع بالرياضة دون مضاعفات نفسية وجسدية، لا نتمناها لأي مسلم.
خاتمة..
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم
ويكره المجد ما تأتون والكرم
(المتنبي)