د. محمد عبدالله العوين
أثار تصريح معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور علي الغفيص الذي أطلقه في منتدى أسبار الدولي الأسبوع الماضي بشأن ضرورة تخفيض 50 % من نسبة القبول بالجامعات لغطا كبيرا في فهمه وسوء تفسير للمقصود بالتخفيض، وغرد عدد غير قليل بنقد تخفيض القبول بالجامعات، مشيراً بعضهم إلى أن الوزير افتتح أيامه الأولى في الوزارة بتصريح غير مشجع ولا مقبول ومخيب الآمال.
ربما كان التصريح غير واضح لحظة الحديث المباشر في المنتدى؛ ولهذا أصدر الناطق باسم وزارة العمل الأستاذ خالد أبا الخيل إيضاحا لم يكن واضحا أيضا؛ ولكن سياقه يشير إلى أن المقصود بتخفيض القبول الكليات النظرية فقط، ولا ينطبق على الكليات التطبيقية كالهندسة والطب والفيزياء والكيمياء والأحياء ونحوها، يقول «إن الجامعات تستقطب من 70 % إلى 90 % من مخرجات الثانوية العامة، والمفترض ألا تتعدى 50 % نسبة مخرجات الثانوية العامة التي تلتحق بدراسات أكاديمية بحتة» وقد أطلق كلمة «الجامعات» وهي تضم التخصصات النظرية والتطبيقية، وربما عنى بكلمة «أكاديمية بحتة» التخصصات النظرية، وهذا غير صحيح؛ فالأكاديمية تعني النظرية والعملية.
وعزز توجه وزارة العمل إلى ضرورة تخفيض القبول بالكليات النظرية تصريح معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى في المنتدى نفسه؛ حيث أشار إلى أن الوزارة ألغت عددا من التخصصات الدراسية في الجامعات السعودية؛ لعدم مناسبتها سوق العمل، ممثلا بتخفيض القبول بكليات التربية لكثرة أعداد الخريجين فيها بما يفوق الاحتياج إليهم، ومشيرا إلى أن الوزارة ستسعى أيضا إلى تقليص تخصصات نظرية أخرى؛ ولكنه لم يذكرها بالاسم.
وهو جهد مشكور من الوزارتين وإن تأخر كثيرا، وكان المأمول أن تخضع استراتيجية التعليم والعمل منذ عقود من الزمن إلى قياسات تقريبية لمدى الاحتياج العملي من كل تخصص؛ بحيث يمكن التوسع في تخصص نظري أو علمي حسب الاحتياج إليه.
هذا التوجه يستحق الشكر حتى وإن جاء متأخرا، وهو ما يتفق بالضرورة مع رؤية السعودية 2030م وهو أيضا استجابة لما تطمح إليها الدولة - وفقها الله - وما يحرص على تأكيده ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بربط منظومة التعليم والتدريب مع سوق العمل، ولذلك وجه بالتنسيق بين ثلاث وزارات؛ هي: العمل والتعليم، والتخطيط لرسم رؤى استراتيجية تفرض التوجه إلى الاهتمام بالتخصصات التقنية والمهنية بدلا من النظرية.
لقد ذهب ظن كثيرين إلى أن المقصود تقليص التعليم الجامعي، وهذا فهم خاطئ؛ فلا يمكن أن تنهض أمة أو يتقدم وطن بلا تعليم عال عام واسع شامل متطور، وربما زاد من وتيرة الفهم الخاطئ ما سبق أن أدلى به نائب إحدى الوزارات المعنية بتقليص عدد الجامعات؛ لأن التعليم الجامعي ترف - حسب زعمه - ففرق كبير بين توجه رؤية الدولة 2030م والاستراتيجية النابهة التي تجمع الوزارات الثلاث وما سينتج عنها بعد ثلاثة أشهر من قرارات حسب توجيه سمو ولي ولي العهد وذلك المفهوم القاصر الذي يذهب إلى أن زيادة الجامعات ترف؛ كما أشار نائب إحدى الوزارات في حديث تلفزيوني سابق.
ومن خلال تجربتي كأستاذ جامعي تأكد لي أن كثيرين من المنتظمين في الكليات النظرية مكرهون على الالتحاق بها، وقد قبلوا بذاك على مضض لعدم وجود فرص دراسية في تخصصات أخرى يرغبونها.
لا أرى حرجا في أن نعلن عدم احتياجنا إلى مخرجات تخصص معين؛ فنقلص من القبول فيه، بما يستوجب إغلاق قسم أو كلية وفتح قسم آخر أو كلية أخرى أو جامعة جديدة تلبي احتياج المجتمع.
ما جدوى أن يتخرج آلاف من الطلاب في تخصصات لم ينسجموا معها في الأصل ولم يختاروها؛ ولذلك لم يتفوقوا فيها، ثم لم يجدوا فرصا وظيفية لهم؛ لزيادة عدد المعروض وقلة الوظائف الشاغرة؟!