د. خيرية السقاف
منذ اندلعت حرائق الربيع العربي, وشبّت نارها في غصون قلوبنا
والمنطقة بكل شجراتها تحت أحزانها وتتراكم فجائعها
نارها لحقت بنا جنوباً, وامتدت ألسنتها من صوب جمر تحت رمادها, تناثر بين عيوننا,
يشعل قلوب أمهات على فلذاتها, وآباء على أبنائهم, ومصلين في مساجدهم, وجنود في مواقع عملهم, يغتال على غرة,..
منذ انفجر بناء, واغتيل آمن, وهُتكت سكينة, وضُبط متسلل, وكُشفت مخططات, وعُرف إرهابي, ورُسمت خطط مكافحة, واغتيلت بلدان حولنا, واستيقظت من ثم همم وعي..
لم يزر قلوب الناس فرح ٌجمْعي من حد البحر لحد الرمل كالذي صنعه سلمان في رحلته لدول الخليج, ويده تلوح مع البسمة والسيف بأنّ صناعة الفرح بين حدين الجد واليقظة, والعمل والتلاحم, والجدر والساعد..
بكل مقاييس الفرح أخرجنا سلمان ومستضيفوه من عنق زجاجة الأحزان التي ننام عليها تضامناً إنسانياً، وتفاعلاً تلقائياً, بكل ما نراه ونشهد عليه, بل نعيشه نبضاً بأطفال سوريا وهم يُنتشلون من تحت الأنقاض, وشيب العراق وهم يمسحون دموعهم بلحاهم, ونسوة اليمن الثكالى في دماره, وطيور فوق سماوات كل بقعة منتهكة ترف بأجنحة الدعاء لهم بالرحمة, ونحن معها, وهم يتضوّرون جوعاً للدفء, والزاد, والسقف, والوسادة, وبيوتهم خراب, ودمار..!
من بين كل هذا الهم الشامل, والغمة الرابضة, أخذنا في اتجاهه سلمان,
فرحنا بأيام سجل فيها بوعيه, وحنكته, وحكمة خطواته الكثير من السطور التي
إن يفتح أوراقها الواقع, ويتأمّل فيها النظر, ويأخذها التأويل, ويبسطها التفسير, وتفضي عنها الكنايات, فلسوف تكون ليس فقط رسالة حكيمة, بل إنها هزة كتف من في الخفاء يمكرون,
أو في العلن يشحذون للنار جذوتها..
وهي أيضاً دعوة للإخوة أن يلتئموا, وللجيرة أن يتحدوا, وللأفراد أن يقتربوا..
فالفرح صناعة صعبة لا تقل في أبعادها دلالات, ولا أفعالاً, ولا آثاراً عن تلك التي يخلفها الألم, والشر, وبقايا الشتات.
وقد صنعها سلمان, فمدّ إليه السواعد مستضيفوه
إي وربي أقامها في النهج, وبدأ الطريق
وهو الرُّبان...