د. أحمد الفراج
يوم الجمعة الماضية، سألني الزميل المتألق، سلطان القحطاني، عبر برنامجه الأسبوعي: «حديث العمر»، عن سبب الهجوم العنيف، والمكثّف، وغير المسبوق على المملكة، وكان جوابي، الذي وصلت إليه، بعد بحث وتقصٍ، أن السبب الرئيس، الذي يغذي الهجوم المستمر على المملكة، هو مجموعة من المتشدّدين، الذين اختطفوا خطابنا الديني المعتدل، وصدَّروا للعالم خطاباً متشنجاً، ومتطرفاً، لا يمت للعقلانية بصلة، ومع أن بعض هؤلاء من الجهال، الذين زجت بهم ما تُسمى بالصحوة إلى الساحة، إلا أن بعضاً منهم يفعل ذلك بخبث، وعن سابق إصرار وترصد، وذلك بهدف تدمير علاقات المملكة بحلفائها الغربيين، وبالذات الولايات المتحدة، وليس سراً أن بعض قيادات التنظيم الدولي تتحدث عن ذلك في محاضنها الخاصة، وقد أسرَّ لي بعض من أنقذهم الله بعنايته من براثن التحزّب والتطرف بذلك، ولا أظن ذلك يخفى على أصحاب الشأن.
التنظيمات الحزبية، وفي سبيل سعيها المستميت لتدمير علاقات المملكة مع الآخر، تستقطب بعضاً ممن يطلق عليهم زوراً بالحقوقيين، ومعظم هؤلاء هم من المفلسين، الباحثين عن الشهرة، وخصوصاً أنهم من حملة الشهادات الكرتونية الوهمية، وبالتالي فهم على استعداد لأن يفعلوا كل موبقة تجلب لهم الشهرة، فتجدهم ينشرون كل ما يثير البلبلة، ويضخمون الأشياء التافهة، ثم ينفخ الحزبيون في التفاهات التي ينشرها هؤلاء، خصوصاً ما هو ضد البلاد، ويسعون لإيصال ذلك للإعلام الغربي، الذي يلتقطها، ليهاجمنا من خلالها، ونحن على هذه الحال، ما بين متشدد خاوي الفكر، وحقوقي مزعوم، دون أن نلمس أي تحرك ضد هذه الإساءات، التي تصل لمرحلة الخطورة على أمننا القومي، فالإعلام الغربي، ومثله أي إعلام آخر، يبحث عن الإثارة، ولا يوجد ما هو أكثر إثارة مما يكتبه بعض بني قومنا، فهؤلاء يزوّدون إعلام الغرب بما يسيل له لعاب أي صحفي محترف، ودونكم بعض ما نُشر مؤخراً، لأحد المحسوبين على العلم الشرعي، فيما يخص دراسة الطب للسيدات، والاتهامات المجانية، التي وزعها ذلك الداعية على معظم مواطنيه، دون أن يرف له جفن.
إن المملكة، ومع صعود أحزاب اليمين المتطرف للحكم، في بعض الدول الغربية، وكذلك فوز الصقر اليميني، دونالد ترمب، برئاسة الولايات المتحدة، وهي حليفنا الأقوى، أمام تحديات جمة، إذ من الممكن أن تؤدي بعض حماقات المتطرفين، ودعاة الحقوق المزعومين، إلى الإساءة لعلاقتنا بالآخر، لدرجة لا يمكن معها الترميم والإصلاح، وعلينا أن ندرك أن حلفاءنا ليس لديهم مشكلة مع الإسلام المعتدل، الذي تمثّله بلادنا، طوال تاريخها. هذا، ولكن اختطاف الحزبيين لخطابنا الديني، وتصديره للغرب، بخبث شديد، على أنه هو خطاب المملكة الرسمي، أمر في منتهى الخطورة، لأنه، والحال هذا، سيستمر الهجوم علينا، بحجة أن هذا هو خطابنا، مع أن هذا أمر غير صحيح، ولذا يتوجب علينا الحيطة والحذر، واتخاذ إجراءات حازمة وصارمة، تجاه كل من يروّج لخطاب متشدد، أو ينشر شائعات مغرضة، قبل أن يستفحل الأمر، خصوصاً بعد أن أصبح مثل هذا الخطاب المتشنج، الذي أساء لبلدنا ولمواطنينا، طريقاً للشهرة والأضواء، للمتطرفين، والمتسلقين، وعلينا التعجيل بمعالجة هذا الأمر، قبل أن يستفحل أكثر، ونفقد حلفاءنا التاريخيين واحداً بعد الآخر، ولعل ذلك يكون قريباً حداً!