عمر إبراهيم الرشيد
تقدم بعض الشركات المحلية والدولية عروضًا للمباني منخفضة التكلفة ومواد البناء مع سرعة وسهولة تنفيذها وتميُّز وجمال تصاميمها. هنا بدأ الجدال واللغط، إما من جانب من يتوقع تضررهم من حلول عملية واقتصادية كهذه، أو من قبل من يزعم أنها قد لا تلائم (ثقافة) البناء والسكن لدينا.
من وجهة نظر شخصية، قد يؤيدني فيها بعض القراء وقد يرفضها البعض الآخر، أرى أن أول من يرتاب من مساكن كهذه مسبقة الصنع هم بعض أرباب مصانع الأسمنت والحديد؛ إذ لو أن هذه المساكن منخفضة التكلفة لاقت انتشارًا وقبولاً واسعًا لدى السعوديين فسيكون ذلك تهديدًا لمداخيل مصانع الأسمنت، وربما معها الحديد. ومعلوم ما تستهلكه مباني السعوديين من كميات هائلة من الخرسانة الأسمنتية والحديد في بنائها، عكس هذه المباني الاقتصادية. وبالمناسبة، فإن هذه النوعية من المباني تلقى قبولاً واستخدامًا واسعًا ليس بالجديد في دول مثل تركيا وأمريكا وكندا، بالرغم من أن هذه الدول مناخاتها ممطرة، بل مع أعاصير عاتية أحيانًا، فما بالنا ونحن بلد شحيح الأمطار، سالم من الأعاصير وحتى الزلازل - ولله الحمد - إلا بدرجات خفيفة جدًّا، ومحدودة النطاق.
أما النظرة الضيقة لشكل هذه المساكن، وأنها قد لا تلائم الثقافة الاجتماعية، فهل ما لدينا من مساكن في طول المملكة وعرضها يمثل هوية البناء الشرقي؟ أو له صلة بنمط بيوت الطين التي برع فيها آباؤنا باستخدام المواد المتوافرة في بيئتنا من طين وجذوع نخل وعسيب وحجارة، فكانت بيوتًا صحية متوائمة مع الظروف المناخية والبيئة المحيطة؟! والطين معروف بأنه عازل طبيعي للحرارة الخارجية مع نظام تهوية وتبريد طبيعي بسيط، حسب إمكانيات ومفاهيم آبائنا في ذلك الوقت. فأين هذه الصناديق الخرسانية التي نسكنها، والتي لا تشبهنا، من تلك الطينية؟ ما بال البعض ينساق مع ثقافة (القطيع)، ويسلم عقله لغيره؟! هذه البيوت الاقتصادية حلول لأولئك الحيارى الذين يتشوفون لذلك اليوم الذي يرون فيه أبناءهم وقد أظلهم سقف بيت يمتلكونه، دون حاجة لأطنان خرسانة وحديد تحاصر أنفاسهم.