عبدالعزيز السماري
حسب الإحصاءات، يتخرج من الكليات التقنية كل عام حوالي 100 ألف طالب من 80 كلية مهنية وتقنية، ويتوقع أن يصل عدد خريجي الكليات المهنية إلى 300 ألف طالب سنوياً بحلول عام 2020م، وهو رقم عالٍ جداً.
وبحسبة بسيطة، لو اعتبرنا أن معدل التخرج السنوي حوالي خمسين ألف تقني خلال العشرين السنة الماضية، لكان لدينا الآن مليون مهني وتقني في السوق، وبعد ارتفاع الأرقام إلى 300 ألف سنصل إلى معدلات عالية للتنمية الصناعية والتقنية في رقم زمن قياسي..
في المسكوت عنه في هذا الشأن، غموض اختفاء تلك الأعداد الهائلة والأرقام المعلنة في المناسبات بعد تخرجهم، وهو ما أثار غرائزي البحثية لتفسير غيابهم رغم أعداد الخريجين العالية كل عام، فالأمر في منتهى الغرابة، ويخالف أرقام خريجي التخصصات الطبية على سبيل المثال، فبعد ارتفاع أعداد كليات الطب خلال سنوات وصل خريجوها إلى الآلاف، وظهر ذلك في الأعداد المزدحمة في التقديم لبرامج التدريب.
حاولت أن أجد تفسيراً لكشف سر اختفائهم المدهش، وفي البداية فكرت أن ثمة معجزة خلف الأمر، وأن متآمراً من العالم الآخر يوزع على الخريجين طاقية الإخفاء بمجرد خروجهم من باب الكلية، وبالمناسبة طاقية الإخفاء ليست أسطورة محلية، ولكنها نرويجية، ولاقت رواجاً في الماضي، ومنها عرفت أن الطواقي ليست أيضاً تقليداً محلياً، ولكن تعود تقاليدها إلى قبائل الفايكنج في شمال أوروبا.
حاولت أن أراقب الواقع ومنتجاته، لأعرف سر اختفاءهم عن سوق العمل في السوق المحلية، فالأمر لا يخلو من لغز محير، وحسب الظواهر الاجتماعية الملفتة للنظر، برزت ظاهرة الشعر الشعبي مع ازدياد عدد الكليات، وفكرت في أن كليات التقنية ربما تدرب في حقيقة الأمر تقنيات الشعر الشعبي وفن إلقائه، فقد تضخمت أعداد شعراء القلطة وشعراء المحاورة بشكل غير مسبوق، ويُلاحظ ذلك في أعداد المتقدمين على برامج الشعر الشعبي في القنوات المحلية والخليجية.
التفسير الآخر لاختفائهم الغريب أن الكليات التقنية ربما تدرب أيضاً في بعض فصولها تقنيات الرقية الشرعية، وتخرج أعداداً هائلة من الرقاة، والرقية الشرعية مهنة ذات تقنية واحترافية عالية، فالنفث يحتاج إلى مهارة عالية، وإلا تحولت النفثة إلى شيء آخر أكبر حجماً، وأكثف سيولة، وقد يفسر ذلك كثرتهم في السوق المحلية إلى درجة أنهم أشغلوا مشاهدي البرامج التلفزيونية في سباق النجومية الإعلامية، بينما لم تظهر أي صدى لارتفاع المهارات الصناعية والتقنية في السوق المحلية.
الأمر إلى هذا الحد، يدخل في عالم الأساطير أو الغموض، ويتطلب تحقيقاً من نوع مختلف، يبحث في أسرار كليات التقنية في المملكة، ثم يكشفه لنا، لعلنا نفهم سر اختفائهم المثير، لكن الخبر الأخير أثارني لدرجة الهوس، فقد ازدادت لدي مشاعر الشكوك والهواجيس الغريبة حول أسرار كليات التقنية الثمانين في المملكة..
فقد أفادت وزارة العمل أن على الجامعات السعودية أن تخفض قبولها إلى 50%، وتوجيه البقية إلى كليات التقنية، عندها تيقنت أن شكوكي حول كليات التقنية في محلها، وتحتاج إلى من يكشفها، قبل أن تصل أسطورة طاقية الإخفاء إلى خريجي الجامعات السعودية، أو يتحول الجيل القادم إما إلى شعراء قلطة، أو إلى رقاة متخصصين في إخراج الجن من السكن مجاناً في أجساد السعوديين..