لبنى الخميس
تغزل العرب بالكمال والتمام في البشر، حتى أنهم إذا آثروا مدح أحد قالوا «كامل والكامل الله» إشارة إلى عظمته وروعة خصاله ومزاياه ولأبي الطيب المتنبي بيت شعر شهير يقول فيه:
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
اليوم، نحن أمام أفواج بشرية تلهث كل يوم خلف كذبة اسمها الكمال.. بالمظهر..والجوهر.. وأسلوب الحياة.. حتى تقترب من هذا الوهم.. لماذا سميتها وهم الكمال؟ لأننا برمجنا بأننا نتساوى جميعاً أمام مفهوم الكمال.. ننشد نفس الجمال.. ونسعى خلف ذات التجارب.. ونتسابق لتحقيق ذات الأحلام حتى صرنا أمام تعريف واحد للجمال.. وتصنيف يتيم للنجاح.. وصورة موحدة للثراء.. على الرغم من جمال الاختلاف وثراء التنوع الذي يذكرنا أننا بفطرتنا كبشر تترواح أعمالنا بين الخطأ والصواب، الازدهار والانحدار، التقدم والتراجع.. متجاهلين أن لكل فرد تجربته الخاصة.. جماله الخاص.. طبيعته المميزة في تعريف وتجديد وتحقيق الكمال.. بما يتناسب مع شخصيته وظروفه وبيئته. اصنع كمالك الخاص.. واحرص على أن يضم جوانب قصور.. لأنك بشر وعيوبك وأخطاؤك وعثراتك.. هي ما تصنع تجربتك الخاصة التي تميزك عن غيرك وتضمن لك تجربة إنسانية مريحة، تتقبل عيوبها، وتحتفي بقصورها، وتدافع عن حقها في أن تخطئ وتتعثر، وتخفق لتتعلم الدروس وتقتبس العبر وتعيش حياة إنسانية عنوانها التوازن.
مخطئ من يعتقد أن الكمال عملة تتساوى في يد الجميع.. وأن التمام ثوب فضفاض يتسع لكل من يرتديه ويبحث عنه وينشده. كوّن كمالك الخاص بتعريفك ومقاييسك وظروفك الحالية، ولا تبحث في تعريفات وقواميس الجماعة عن تعريفك الفردي لما هو فردي. الحياة رائعة حتى وهي غير مكتملة.. وقمة الرضا والسعادة أنك تعيش حياتك بمقاييسك الخاصة بدون مقارنات محبطة بحثاً عن وهم الكمال المنشود.
واسمحوا لي أن أعتذر من المتنبي وأجري تعديلاً على بيت شاعر الحكمة ليصبح «ولم أر في عيوب الناس عيباً.. كمثل اللاهثين خلف التمامِ» مدركة بأن البيت بات مكسوراً، ولكن المعنى كان مكسوراً قبل ذلك يدعو للتمام بخطاب شعري شديد اللهجة.