عبد الرحمن بن محمد السدحان
«مرةً أخرى، أكتب عن خطبة الجمعة، وكثيرون سِواي كتبوا عنها بما قد يُجاوزني تفوقاً، في النص والأسلوب، وفي كل مرة، كنت أحاول (توظيف) هذه الشعيرة الدينية الكريمة والعظيمة معاً خدمةً لأكثر من غاية، وفي مقدمة ذلك:
(1) تَكوينُ صورة مُؤثرة لخطابٍ صادق وأمين عن (وسطيّةِ) دينِنا الحنيف بلا غُلوَّ ينفّرُ، ولا (تبسيطٍ) يَعيبُ. وفي الوقت ذاته، يجنّب بلادَنا الأَذى المعنويَّ الذي قد يُنسَب إليها زُوراً من أيَّ مكان!
* *
(2) محاولة طَمْأنِة المتلقَّي للنصَّ أن الخطيئَة لا تَعني قَفْلَ أبوابِ توبة الخالق جل شأنه أو تحكيمَ اليأسِ في وجدان المخلوق!
* *
(3) تعميق القناعة بأن رحمة ربي وسِعتْ كلَّ شيء، وأن التوبةُ إلى الله توبةً نصُوحاً تجبُّ ما قبلها بإذن الله، عندئذٍ، يَغادرُ المؤْمنُ بيتَ العبَادة وهو أكْثرُ ما يكون تَفاؤُلاً، وأقْوى إيماناً، وأشدَّ عزماً على اتَّباع أوامرِ دينِه، واجْتنابِ نَواهِيه، طَمَعاً في رحمةِ ربَّه وغُفْرانه!
* *
« وبعبارة أقرب إلى الفهم المراد، أقول إن خُطبةَ الجمعة تَبلغُ قمةَ أثَرها وتأثِيرها الإيجابيّ متى التَزَم صاحبُها بما يلي:
1) النأيُ بالخطاب عن زلل (الغلوّ) بكل صوره وأنماطه، لأنه ينفّر سامعَه ولا ينذره، ولأنّ الخطاب المعتدل أكثر التصاقاً بالعقل المستقبل للموعظة فيتحقق من خلاله أثرُها وتأثيرُها!
* *
2) إن الهدفَ الرئيسيَّ لخطبة الجمعة، هو إيقاظُ القلوبِ الغافلةِ من سُبات الاسْتلابِ بمتَاع الحياة، والاسْتِسْلام للذَّاتها، والاستغراقِ في (شَقَاء) نَعيمِها، حتى ليكادُ المرءُ المسْلمُ ينْسَى نفسَه دِيناً ودُنيا! هذا لا يعْني تَزْهيدَ الناس أو تيْئيسَهم في التماسِ (زينة الحياة الدنيا) ممّا شرعه اللهُ وأحلَّه لعبَادِه، ما دام أن ذلك لا يُؤثَّر سلْباً على عبَادتِهم وْفقَ ما أُمِرُوا به أو نُهُوا عنه.
* *
3) أنّ من أبرز مآثِر خُطبةِ الجُمعة تذكيرَ الناس بما نسوه أو سهوا عنه أو تَماهوا فيه من أمُورِ العبَاداتِ والمعَامِلات معاً، وأنه مهْمَا قسَى المؤْمنُ على نفْسِه باقترافِ الذّنُوبِ والخطَايا، فإن رحمةَ الله وسِعَت كلَّ شيء لمنْ تابَ وأنابَ وعمل صالحاً!
* *
«وهناك أمرٌ آخر يتَعلقُ بملاحظاتٍ حول بعض ما يُقال في بعْضِ منابر الجمعة بعضَ الأحيان، وَطرْحي هذا ليس تشْوِيهاً لكفَاءةِ أحدٍ من المعْنيّين بها، فَهُم أخوةٌ لنا كِرامٌ نُجلُّهم وندعُو لهم بالسَّدادِ، وهم يصيبُون ويُخْطِئُون مجتهدين، كَكلّ البشر، لكن الاجتهاد الذي لا يقْترنُ بشفافيةِ الحَذَر وفضيلةِ الاعتدال وحكْمةِ الرُّؤيةِ قد يقُودُ صاحبَه إلى الزَّلَل، وقد يفْرضُ على (الآخرين) فتنةَ تأْويلِ ما يقولُه المجْتهدُ في أكثر من اتّجاه بعيداً عن المقاصدِ النبيلةِ المنْشُودة!
* *
«أخيراً.. يغشى المساجد يوم الجمعة وافدون كثر، من دول إسلامية لا ينطقون اللغة العربية، فكيف لأحدهم أن يدرك شيئاً من مضمون الخطبة وقيمتها، وأتساءل: لماذا لا تستخدم وسيلة الترجمة (بالإشارة) كي يمكن إيصال بعض مفاهيم الموعظة ورسائلها إلى أذهانهم باليُسر الممكن!