إبراهيم عبدالله العمار
يحب الناس تخيُّل ماذا سيكون العالم لو حدث شيء أو لم يحدث، مثل «ماذا لو حصلت الحرب الفلانية؟» أو «ماذا لو لم يظهر الشعب الفلاني، كيف سيكون العالم اليوم؟»، وما إلى ذلك. ومن أكثر التخيلات شيوعًا التساؤل عن عظيمي التأثير، كالفلاسفة وقادة الجيوش ومؤسسي الأديان. وطبعًا العلماء وتأثيرهم الهائل. وانظر للتقدم الذي نراه اليوم، لم يكن ليحدث لو أن البشر أهملوا العلم «ماذا لو لم يولد اينشتاين؟ أو أرخميدس؟ أو نيوتن؟»، أسئلة طبيعية.
لنأخذ مثالاً: من العلماء الذين غيّروا حياة البشرية غاليليو الإيطالي في القرن السابع عشر؛ فهو مخترع التلسكوب، واستخدمه في اكتشاف 4 أقمار لكوكب المشتري، ورؤية مراحل كوكب الزهرة، وساهم علمه في صنع النهضة العلمية في قرنه. ماذا لو لم يولد؟ هل كانت ستحدث النهضة؟ نعم! غاليليو لم يأتِ بشيء جديد تمامًا، بل استفاد من العالم المسلم البتاني الذي كتب عن النجوم والكواكب قبله بستمائة سنة. طيب، ماذا عن التلسكوب؟ لا شك أن أثره الضخم سيكون معدومًا لو لم يولد هذا العالم، صحيح؟ لا! التلسكوب أتى به عالم هولندي، اسمه هانز ليبرشي!
وهكذا دواليك. وهذه معلومة شائقة ذكرها العالم جاريد دايمند في كتابه «مسدسات وجراثيم وفولاذ»، الذي يحلل فيه أسباب نهضة الأمم. ومما أتى فيه هذا التساؤل، أي «لماذا ظهر هؤلاء في الغرب وليس في الشرق مثلاً؟ لو لم يولدوا هل سينهض الغرب؟». ويجيب عن ذلك بهذه المعلومة الظريفة: هل تعرف جيمس واط؟ إنه مخترع المحرك البخاري. هذا المحرك صنع ثورة علمية في الغرب؛ فغرضه الأساسي ضخ الماء من المناجم، ثم صار يزود مصانع القطن بالطاقة، وبعدها صار محرك سيارات وبواخر، وتضخمت تأثيراته. إذًا يمكن أن نقول: لو لم يولد واط لتأخرت النهضة التقنية الغربية. لكن - وأظنك الآن تعرف الإجابة - هذا خاطئ. من محاسن قوانين حقوق الملكية أنها تشجع الإبداع، لكن يعيبها أنها تحث الشخص على أن يتجاهل اختراعات الأسبقين، ويزعم أن اختراعه جديد تمامًا؛ لكي لا يُحرم براءة الاختراع!! ولما نال واط البراءة ظن الناس أنه اخترع شيئًا من العدم. والقصة الشهيرة أنه رأى البخار يخرج من إبريق شاي، وبرقت الفكرة في رأسه.. لكن مثل كل المخترعين والعلماء، اعتمد واط على غيره، وتلك القصة وَهْم كبقية قصص المخترعين؛ ذلك أن واط أتته الفكرة لما كان يصلح.. محرك بخار!! صنعه توماس نيوكومن قبل واط بقرابة ستين سنة. إذًا نيوكومن هو الأصلي، وأتته الفكرة من صميم رأسه؟ لا، نيوكومن أخذ الفكرة من محرك بخاري صنعه الإنجليزي توماس سيفوري 1698م، الذي أخذ الفكرة من الفرنسي دينيس بابان في 1680م، الذي تأثر بأفكار الهولندي كريستيان هوهنز، وغيره.
الذي فعله واط والآخرون هو تحسين الاختراع.. ولا تُنفى جهودهم العلمية في هذا، لكن علينا أن نزيل من رأسنا فكرة أن المخترعين يأتون بأشياء جديدة، وأن العالم سيتغيّر لو لم يولدوا؛ فهذا لا يحصل أبدًا، ولو لم يخترع فلان الشيء العلاني لأتى به غيره.