د. محمد عبدالله الخازم
تحمست لقراءة كتاب السيرة «ناصر المنقور: أشواك السياسة وغربة السفارة» لمؤلفه أ. محمد السيف عطفًا على اسم صاحب السيرة، وقراءة كتاب آخر للمؤلف حول الوزير الطريقي «صخور النفط ورمال السياسة». استمتعت بالكتاب رغم ضخامة حجمه، كوثيقة تاريخية؛ إذ حمل جهدًا كبيرًا في مجال التوثيق والبحث عن المصادر المختلفة.. لكنه بدا لي إثارة سؤال في مفهوم كتابة السيرة: ما الفرق بين السيرة الذاتية والرصد التاريخي لحياة الشخصية؟
السيرة التي تمتعني هي تلك التي تسبر أغوار الشخصية، سواء كُتبت من قِبل صاحبها أو آخرين. بمعنى آخر، تلك التي تطلعني على ما وراء الخبر، على آلية الفكر والتفكير ومواجهة المواقف. عندما أقرأ سيرة رئيس دولة أو مسؤول فلست أبحث عن تاريخ حقبة أو عن الأحداث التي مرت بها تلك الشخصية. ذلك تاريخ وتوثيق للأحداث مهم، لكن ما أبحث عنه هو كيف يفكرون؟ وكيف تتخذ قراراتهم؟ وما هي مكنونات دوافعهم وميولهم الفكرية وصلابة مواقفهم المختلفة؟.. إلخ.
«أشواك السياسة وغربة السفارة» لم يقدم لي ما كنت أبحث عنه في سيرة المنقور، واستمتاعي به كان في حجم التوثيق وسرد الأحداث التاريخية التي عاصرته بالدرجة الأولى، بل يؤسفني القول إن الكتاب عكس صورة أقل من تلك التي كنت أتوقعها في الكتابة عن شخصية إدارية كبيرة مثل المنقور؛ ببساطة لأن المؤلف صوّره كرجل إداري بيروقراطي، قادر على العمل في أي موقع إداري تضعه الظروف فيه. كان في الجامعة مديرًا لكنني لم أتعرف على فكره ورؤيته المستقبلية، ومثل ذلك كان في السفارة أو في مجلس الوزراء، وغيرها من المواقع. تنقل في مواقع بينها تناقضات، ولم نجد له المواقف التي تحمل مبادئ - سواء اختلفنا أو اتفقنا معها- مثل تلك التي حملها الطريقي.
الكتاب أتى رصدًا تاريخيًّا لمسيرة إدارية، وليس كتاب سيرة جذاب. وربما جاء وهج الكتاب من مكانة المنقور الإدارية والاجتماعية، وكذلك من موقع مؤلف العمل كمثقف وناشر ومسؤول ثقافي. ويجب الحذر هنا بأنني لست أنقد سيرة وأعمال رجل الدولة الكبير ناصر المنقور بقدر ما أكتب عن فلسفة كتابة السيرة، وقصور هذا المؤلف عن سبر أغوار المنقور بتحويل سيرته إلى سرد تاريخي. ربما شعرنا بنجاح سيرة الطريقي لأن الشخصية ومواقفها فرضت نفسها؛ فأسهمت في ارتقاء تأليفها، مقارنة بالمنقور، لكن المؤكد أن الأستاذ محمد السيف مؤلف العملين يستحق التقدير على جهوده الضخمة في توثيق سير بعض الشخصيات المهمة؛ فمثل هذه الجهود تتجاوز مجرد الاحتفاء بالأشخاص إلى تقديم مادة تاريخية ضخمة، شخصيًّا استفدت منها، وأحتفظ بها كمرجع مهم. أرجو أن يواصل جهوده في هذا الشأن بتناول شخصيات من الجنوب والشرق والشمال والغرب؛ حتى نحظى بسلسلة سير تقدر مختلف الأطياف، وتسبر أغوار الحياة في مختلف مناطق بلادنا.