نجيب الخنيزي
عقد المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي وبحضور قادة المجلس دورته السابعة والثلاثين في مملكة البحرين الشقيقة، بتاريخ 6-7 ديسمبر 2016م، وقد تطرقت القمة التي حضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى جانب قادة دول المجلس إلى عديد من القضايا المهمة المشتركة التي تهم شعوب ودول المجلس، التي شملت مستجدات العمل الخليجي المشترك، وتطورات القضايا السياسية عربيًا وإقليميًا ودوليًا، كما اطلع المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته (36) حول مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليفه المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة.
كما أكَّد المجلس الأعلى أهمية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وخطة التحول الوطني ومثيلاتها بدول المجلس، مشيدًا بما تضمنته من نظرة مستقبلية في توظيف مكانة المملكة وطاقاتها وإمكاناتها وثرواتها، لتحقيق مستقبل أفضل للمملكة وشعبها، مؤكدًا أن هذه الرؤية والخطة تسهمان في دعم مسيرة العمل المشترك بين دول مجلس التعاون وتحقيق التكامل المنشود في جميع المجالات. استعرض المجلس الأعلى مسيرة التكامل الاقتصادي والتنموي بين دول مجلس التعاون، وأكَّد على ضرورة الاستمرار في توثيق التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء وصولاً لتطبيق قرارات المجلس الأعلى فيما يتعلق بتطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجالات السوق الخليجية المشتركة..
كما اطلع المجلس الأعلى على توصيات وتقارير المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة والأمانة العامة بشأن عدد من الموضوعات المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والتنموية في المجالين الاقتصادي والتنموي، واستعرض المجلس الأعلى التقارير المرفوعة بشأن مسيرة التكامل المشترك، مؤكدًا على أهمية الاستمرار في تعميق مجالات التكامل في المجالين الاقتصادي والتنموي لدول المجلس.
كما عبّر المجلس الأعلى عن ارتياحه وتقديره للإنجازات التي تمت في نطاق تحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات. وتطرقت القمة الخليجية إلى عديد من الملفات الإقليمية والعربية الساخنة ومن بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين. وقد أعرب المجلس الأعلى عن رفضه التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وطالب بالالتزام التام بالأسس والمبادئ والمرتكزات الأساسية المبنية على مبدأ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، معربًا عن رفضه لتصريحات بعض المسؤولين في إيران، ضد دول المجلس والتدخل في شؤونها الداخلية، وانتهاك سيادتها واستقلالها، ومحاولة بث الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها.
وطالب المجلس إيران بالكف الفوري عن هذه الممارسات التي تمثل انتهاكًا لسيادة واستقلال دول المجلس، وبالالتزام بمبادئ حسن الجوار، والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، بما يكفل الحفاظ على أمن المنطقة واستقراره.
من جهة ثانية أعرب المجلس الأعلى عن بالغ قلقه واستنكاره لإصدار الكونغرس الأمريكي تشريعًا باسم (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب) «جاستا» الذي يخالف المبادئ الثابتة في القانون الدولي وخصوصًا مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، مؤكدين أن دول مجلس التعاون تعد هذا التشريع الأمريكي متعارضًا مع أسس ومبادئ العلاقات بين الدول، ومبدأ الحصانة السيادية التي تتمتع بها الدول، وهو مبدأ ثابت في القوانين والأعراف الدولية. وعبر المجلس عن الأمل بأن يتم إعادة النظر في هذا التشريع لما له من انعكاسات سلبية على العلاقات بين الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى ما قد يحدثه من أضرار اقتصادية عالمية.
آن الأوان للقيام بما هو ضروري لتقييم تجربة مجلس التعاون الخليجي بصورة صريحة وشفافة ومسؤولة وتحديد الإيجابيات التي تحققت من أجل تعظيمها، والبحث عن السلبيات والأخطاء والعثرات التي اكتنفت مسيرة المجلس بقصد تصحيحها وتصويبها. وقبل كل شيء يجب التوقف أمام الإشكاليات والمصاعب الحقيقية أو الوهمية، الموضوعية والذاتية التي تحول دون التقدم باتجاه بلورة إطار وحدوي أو اتحادي أرقى وأكثر فاعلية.
وما يبعث على التساؤل هنا، أن عوامل الوحدة متوافرة لدى دول مجلس التعاون أكثر من التجمعات والتكتلات الأخرى في العالم. حيث تتوافر لدينا أوجه التماثل والتشابه ما بين المجتمعات وأنظمة الحكم فيها على صعيد أنماطها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يوحدها الزمان (التاريخ) والمكان (الجغرافيا)، وإذا لم تشفع هذه الخصائص المشتركة في تحقيق أقصى درجات التكامل والوحدة أو الاتحاد، فلنتحدث بلغة المصالح المجردة إِذ نحن نعيش في عالم تتحكم به وفيه القوى والتكتلات الإقليمية والدولية الكبرى بمصالحها المتعددة، وفي هذا العالِمَ لا مكان فيه للدول الصغيرة أو الكيانات الضعيفة التي ستسحقها رياح العولمة العاتية التي تحكمها مصالح غابية لا ترحم.