د. خيرية السقاف
فاجأنا - إن كان يقيناً- أن يُخطَّط لتخفيض نسبة القبول في الجامعات 50 %,
كما فاجأنا - إن كان يقيناً- أن يُطرح أمر تقليص التخصصات العلمية في الجامعات, وحصرها في التي يحتاج إليها سوق العمل..!!
ليست هذه الحلول الأنجح للقضاء على البطالة, ولا على رفع نسبة التوطين, ولا على تنويع مهارات الحرفيين, ولا على خفض تكاليف التعليم, والمعيشة, أو توفيرها..
لم تقم الحضارات يوماً على خنق الرغبات, ولا على فرض مساراتها,
ولا حصر حرية التخصص في التعليم لفئات, ومنح فرصه لأخريات,
فكما هو التعليم العام ما قبل الجامعة مشاعاً للجميع بل إلزاماً عند ضرورة الرفع من إمكانات العناصر البشرية بكل مقدراتها, وتهيئة التعليم ليكون بكل جوانبه للجميع دون استثناء, ابتداءً من أهدافه, وانتهاء عند تقويم مدى تحقق هذه الأهداف كانت خاصة, أو عامة, بما فيها الأهداف العامة لسياسة التعليم في الدولة, بل أهداف سياسة نظام الدولة التي تقر بحق الفرد في التعليم في جميع مراحله بما فيها الجامعة بمستوياتها, وتخصصاتها, فإن حصر التخصصات في الجامعة لتكون مناسبة لسوق العمل فيه إقصاء للإنسان, وصفح عن حقه في الاختيار, وحريته في القرار في مجال دراسة تخصصه في الجامعة,
في الوقت الذي يبقى التطلع إلى خطط التعليم العام لتنهض بتهيئة صحيحة, ومواكبة للدراسة ما بعد. وتتجاوز قصوراً يلحق بها في المخرجات, ومستوياتها في التنويع, ورفعها من كفاءة المردود.
مع أن هناك إمكانية حصر عدد الجامعات, والكليات المترامية, ودراسة مستوى أدائها الفعلي, ومن ثم توجيه بعض فروعها, أو بعضها كاملة للتخصصات النوعية في زمرة ما, تعنى بالتخصصات المهنية المواكبة للمعطيات, كجامعة «البترول» - سابقاً- حيث عنت بتخصصاتها, لتضخ إلى قطاعات المجتمع باحتياج مؤسساته المختلفة ذات العلاقة الميدانية بالعناصر المؤهلة, لا يصد القبول فيها رغبات المنتقين, ومع الإبقاء على شمولية تخصصات الجامعات الأخرى بكلياتها, وإتاحتها للجميع, نهضة بالإنسان, وتماشياً مع حقه في الاختيار, وحاجته لأن يكون جزءاً من نهضة مجتمعه الشاملة..!
ربما هناك حاجة ملحة على مستوى أوسع من لجان بعينها, أو الوقوف عند آراء منتقاة, وخبرات محصورة, لعصف الأفكار, واستخلاص أنجعها, وأنسبها, وأقدرها للتنفيذ.
وإلى حين يرسو وضع مؤسسات التعليم من ألفها, إلى يائها بتحقيق لها نهضة علمية, وتعليمية, وبحثية فيها تنعكس في عناصر المجتمع البشرية جميعهم بلا استثناء, بناءً على اختيارهم.
فإن التعليم فيها تحديداً في مراحل ما قبل الجامعة بمستوياته هو الذي ينبغي أن يحدد توجه الرغبات, ويمكِّن الفرد الواحد من معرفة حدود قدراته, ونوعية اختياره, ومسار استمراره العلمي. ويجعله مطمئناً لحيث يتجه في اختيار مجال تخصصه ما بعد!..
فهل تحدث النقلة النوعية التي تؤهله من هذا؟!
وهل لا ينسى أحدنا أننا لن نحقق نجاحاً يُذكر في رؤية النهضة الشاملة دون أن تنبثق من مؤسسة التعليم الشاملة..؟!
مسؤولية مؤسسة التعليم الشاسعة كبيرة, وضخمة, يتطلع إليها الجميع بشغف, وانتظار!!..