مها محمد الشريف
الخطر الذي يهدد الإنسان في كل مكان ليس الحرب أو أسلحة الدمار أو الفقر والجوع فقط.. بل هناك قوة خلف كل حي، ترغمه على الانقياد والتحكم؛ فتجعله خاضعًا لها؛ لأن في إرادة الخضوع مبدأ سلامته وصحته.. وتلك هي القضية الكبرى التي تودي بحياته.
ما أشبه أسباب القضاء على الإنسان وما يستدعي هلاكه؛ ويستوجب علينا عرضه وتوضيحه.. فقد نشرت مجلة «فوربس» عبر موقعها الإلكتروني قائمة بأكبر عشر شركات للأدوية في العالم بناء على تصنيف «فوربس جلوبال 2000»، الذي يطلق ترتيبًا سنويًّا لأكبر 2000 شركة عامة على مستوى العالم.
و»تصدرت ثلاث شركات قائمة الأكثر ثراء بثروات تقدر بمئات المليارات في سوق شرسة حسب التصنيف، تبلغ قيمة أكبرها السوقية نحو 203 مليارات دولار، ولها أصول قيمتها نحو 172 مليار دولار بدءًا من مايو 2014. تنتج الشركة منتجات الرعاية الصحية المتنوعة، بما فيها المنتجات البيولوجية البشرية والحيوانية واللقاحات، فضلاً عن المنتجات الغذائية والمكملات الغذائية. سجل مبيعات الشركة في عام 2013 تقريبًا 52.6 مليار دولار بأرباح تعددت 22 مليار دولار في عام، حسب 2013».
وتوظف حاليًا أكثر من 77 ألف شخص في صفوف موظفيها، وتُعدُّ من كبرى شركات الأدوية في العالم. ولا نريد ذكر أسماء هذه الصروح الدوائية للتمجيد أو الإعلان على حساب أخرى.
وعلى الرغم من أنها تخسر مليارات عدة في البحوث الطبية واختبارات الأدوية إلا أنها تجني ثروات هائلة عبر بيع تلك الأدوية. ولكن لا بد أن نبحث عن تفاصيل تلك الشركات العالمية التي تشحن لسكان الأرض الأدوية، التي تعكف على خلق الداء، ثم تضع له الدواء؛ لكي تكوِّن ثروات كبيرة على حساب صحة وحياة الإنسان.. فمن غير المعقول ظهور تلك الأمراض فجأة، وبأسماء مختلفة، وأخطار متفاوتة؛ لتظهر بعدها شركة تعلن اكتشاف لقاح جديد، يحارب ذلك المرض، ويحد من خطورته، أو يشفيه تمامًا!
لا أكاد أصدق أن للمصادفة دورًا في هذا الأمر إلا ما ندر. ما خُلق داء إلا له دواء في عُرف البشر، باستثناء الأدوية المصنَّعة في هذا العصر، تطبب جزءًا من المرض، وتضخم علة أخرى، كتب عنها (أعراض جانبية). لعلنا نذكر بعض الأمثلة للتوضيح، منها أدوية ومضادات لعلاج السرطان، ديكادرون (Decadron)، ديكسازون (Dexasone)، هيكسادرول (Hexadrol).. وهي تعتبر من مضادات الالتهاب الفعَّالة، وتقوم بمنع كريات الدم البيضاء من إتمام بعض التفاعلات الالتهابية، كما يمكنها التسبب في تفتت وموت الخلايا الليمفاوية بكريات الدم البيضاء؛ ولذلك تُعتبر من العقاقير المهمة في معالجة ورم (نقى النخاع) المتعدد والأورام الليمفاوية وأنواع اللوكيميا، باستخدامها في توليفة مشتركة مع عقاقير كيماوية أخرى. كما تُستخدم لدى معالجات السرطان كعقارات مساندة، ولأغراض عدة.
لها أعراض جانبية مرعبة، لا شك أنها تدمر كثيرًا من وظائف الجسم الأخرى.. لضيق المساحة لا يمكن حصرها أو ذكرها؛ لأنها قائمة طويلة من الأعراض، تنتهي بالوفاة والنهاية المحتومة.
وهنا أشير أيضًا إلى استثمار موازٍ للصناعة الدوائية؛ فلكل منتج دوائي ملحقات تخفف من وطأة خطورته، فضلاً عن الأخطار التي صاحبت صناعة محفزات تلك الأمراض من الغذاء الذي بلغت أهدافها مرض السكري والضغط والسرطانات بأنواعها.
كيف يمكن للحكومات اكتشاف تلك اللعبة اللاإنسانية، التي وضعت الإنسان ضحية للكسب المادي، وتنافس كبرى الشركات على تصدير منتجاتها؛ لتحتل قائمة الأكثر ثراء في العالم؟!
إلى متى والإنسان يحارب الإنسان؟! إلى متى والحكومات تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك التجاوزات اللاأخلاقية؛ فبدلاً من أن يكون شفاء الإنسان هو المبدأ الذي تقوم عليه تلك الشركات - كما هي مهنة الطب - إلا أنها تنازلت عن القيم والمبادئ الإنسانية في سبيل الوصول إلى قمة الثراء، وكسب مراكز متقدمة في التصنيف العالمي!